" صفحة رقم ٩٩ "
يوم بدر من الاستئصال والخزي وهم كانوا يستعجلون بعذاب من جنس ما عذب به الأمم الماضية مثل عاد وثمود، وكانت الغاية واحدة، فإن إصابتهم بعذاب سيوف المسلمين أبلغ في كون استئصالهم بأيدي المؤمنين مباشرة، وأظهر في إنجاء المؤمنين من عذاب لا يصيب الذين ظلموا خاصة وذلك هو المراد في قوله تعالى ) إنا كاشفوا العذاب قليلاً إنكم عائدون يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون ( ( الدخان : ١٥، ١٦ ). والبطشة الكبرى : بطشة يوم بدر.
) أمْ ( منقطعة، فهي مثل ( بَل ) للإضراب هو إضراب انتقالي. وإذ كان حرف ) أم ( حرفَ عطف فيجوز أن يكون ما بعدها إضراباً عن الكلام السابق فهو عطف قصة على قصة بمنزلة ابتداءٍ، والكلام توبيخ ولوم متصل بالتوبيخ الذي أفاده قوله ) فتمتعوا فسوف تعلمون ( ( الروم : ٣٤ ). وفيه التفات من الخطاب إلى الغيبة إعراضاً عن مخاطبتكم إلى مخاطبة المسلمين تعجيباً من حال أهل الشرك. ويجوز أن يكون ما بعدها متصلاً بقوله ) بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم ( ( الروم : ٢٩ ) فهو عطف ذَم على ذم وما بينهما اعتراض.
وحيثما وقعت ) أمْ ( فالاستفهام مقدَّر بعدها لأنها ملازمة لمعنى الاستفهام. فالتقدير : بل أأنزلنا عليهم سلطاناً وهو استفهام إنكاري، أي ما أنزلنا عليهم سلطاناً، ومعنى الاستفهام الإنكاري أنه تقرير على الإنكار كأن السائل يسأل المسؤول ليقر بنفي المسؤول عنه.
والسلطان : الحجة. ولما جعل السلطان مفعولاً للإنزال من عند الله تعين أن المراد به كتاب كما قالوا ) حتى تنزل علينا كتاباً نَقرؤه ( ( الإسراء : ٩٣ ). ويتعين أن المراد بالتكلم الدلالة بالكتابة كقوله تعالى ) هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ( ( الجاثية : ٢٩ )، أي تدل كتابته، أي كتب فيه بقلم القدرة أن الشرك حق كقوله تعالى ) أم ءاتيناهم