" صفحة رقم ١٤١ "
والعزوب : الخفاء. ومادته تحوم حول معاني البعد عن النظر وفي مضارعه ضم العين وكسرها. قرأ الجمهور بضم الزاي، وقرأه الكسائي بكسر الزاي ومعنى ) لا يعزب عنه ( : لا يعزب عن علمه. وقد تقدم في سورة يونس ) وما يعزب عن ربك مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
وتقدم مثقال الحبة في سورة الأنبياء وإن كان مثقال حبة من خردل.
وأشار بقوله : مثقال ذرة ( إلى تقريب إمكان الحشر لأن الكافرين أحالوه بعلة أن الأجساد تصير رُفاتاً وتراباً فلا تمكن إعادتها فنبهوا إلى أن علم الله محيط بأجزائها.
ومواقع تلك الأجزاء في السماوات وفي الأرض وعلمه بها تفصيلاً يستلزم القدرة على تسخيرها للتجمع والتحاق كل منها بعديله حتى تلتئم الأجسام من الذرات التي كانت مركبة منها في آخر لحظات حياتها التي عقبها الموت وتوقف الجسد بسبب الموت عن اكتساب أجزاء جديدة. فإن عَدت الأرض على أجزاء ذلك الجسد ومزقته كل ممزّق كان الله عالماً بمصير كل جزء، فإن الكائنات لا تضمحل ذراتها فتمكن إعادة أجسام جديدة تنبثق من ذرات الأجسام الأولى وتُنفخ فيها أرواحها. فالله قادر على تسخيرها للاجتماع بقوى يحدثها الله تعالى لجمع المتفرقات أو بتسخير ملائكة لجمعها من أقاصي الجهات في الأرض والجو أو السماء على حسب تفرقها، أو تكون ذرات منها صالحة لأن تتفتق عن أجسام كما تتفتق الحبة عن عرق الشجرة، أو بخلق جاذبية خاصة بجذب تلك الذرات بعضها إلى بعض ثم يصور منها جسدها، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى :( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ( ( الروم : ٢٧ ) ثم تنمو تلك الأجسام سريعاً فتصبح في صور أصولها التي كانت في الحياة الدنيا.
وانظر قوله تعالى :( يوم يدع الداع إلى شيء نكر خشعاً أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر في سورة القمر ( ٦، ٧ )، وقوله : يوم يكون الناس كالفراش المبثوث في سورة القارعة فإن الفراش وهو فراخ الجراد تنشأ من البَيْض مثل الدود ثم لا تلبث إلا قليلاً حتى تصير جراداً وتطير. ولهذا سمى الله ذلك البعث نَشْأة لأن فيه إنشاء جديداً وخلقاً معاداً وهو تصوير تلك الأجزاء


الصفحة التالية
Icon