" صفحة رقم ١٤٨ "
بل أنتم قولوا أسمعْ، قالوا : نقول كاهن ؟ قال : لا والله ما هو بكاهن، لقد رأيْنا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا بسجعه. قالوا : فنقول مجنون ؟ قال : ما هو بمجنون لقد رأينا الجُنون وعرفناه فما هو بخنقه ولا تخلجه ولا وسوسته، قالوا : فنقول شاعر ؟ قال : لقد عرفنا الشعر كله فما هو بالشعر، فقالوا : فنقول ساحر ؟ قال : ما هو بنفثه ولا عَقده، قالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟ قال : إن أقرب القول فيه أن تقولوا : ساحر، جاء بقول هو سحر يفرّق بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وبين المرء وعشيرته.
فلعل المشركين كانوا يستقبلون الواردين على مكة بهاته المقالة ) هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد ( طمعاً منهم بأنها تصرف الناس عن النظر في الدعوة تلبساً باستحالة هذا الخَلْق الجديد.
ويرجح ذلك إتمامها بالاستفهام ) أفترى على الله كذباً أم به جنة ).
ثم إن كان التقاول بين المشركين بعضِهم لبعض، فالتعبير عن الرسول ( ﷺ ) ب ) رجل ( منكَّر مع كونه معروفاً بينهم وعن أهل بلدهم، قصدوا من تنكيره أنه لا يعرف تجاهلاً منهم. قال السكاكي ( كأنْ لم يكونوا يعرفون منه إلا أنه رجل ما ).
وإن كان قول المشركين موجهاً إلى الواردين مكّة في الموسم، كان التعبير ب ) رجل ( جرياً على مقتضى الظاهر لأن الواردين لا يعرفون النبي ( ﷺ ) ولا دعوتَه فيكون كقول أبي ذَرّ ( قبل إسلامه ) لأخيه ( اذهب فاستعلم لنا خبر هذا الرجل الذي يزعم أنه نبيء ).
ومعنى :( ندلكم ( نُعرفكم ونُرشدكم. وأصل الدلالة الإِرشاد إلى الطريق الموصل إلى مكان مطلوب. وغالب استعمال هذا الفعل أن يكون إرشادَ من يطلبُ معرفةً، وبذلك فالآية تقتضي أن هذا القول يقولونه للذين يسألونهم عن خبر رجل ظهر بينهم يدّعي النبوءة فيقولون : هل ندلكم على رجل يزعم كذا، أي ليس بنبيء بل مُفْترٍ أو مجنون، فمورد الاستفهام هو ما تضمنه قولهم :( إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد أفترى على الله كذباً أم به جنة ( أي هل


الصفحة التالية
Icon