" صفحة رقم ١٦٥ "
لبثوا في العذاب المهين ( ف ) أَن ( مصدرية والمصدر المنسبك منها بدل من ) الجن ( بدلَ اشتمال، أي تبينت الجنُّ للناس، أي تبين أمرهم أنهم لا يعلمون الغيب، أي تبين عدم علمهم الغيب، ودليل المحذوف هو جملة الشرط والجواب.
و ) العذاب المهين ( : المذل، أي المؤلم المتعب فإنهم لو علموا الغيب لكان علمهم بالحاصل أزَليًّا، وهذا إبطال لاعتقاد العامة يومئذٍ وما يعتقده المشركون أن الجن يعلمون الغيب فلذلك كان المشركون يستعلِمون المغيبات من الكهان، ويزعمون أن لكل كاهن جِنِّيًّا يأتيه بأخبار الغيب، ويسمونه رَئيًّا إذ لو كانوا يعلمون الغيب لكان أن يعلموا وفاة سليمان أهونَ عليهم.
جرَّ خبرُ سليمان عليه السلام إلى ذكر سبأ لما بين مُلك سليمان وبين مملكة سبأ من الاتصال بسبب قصة ( بلقيس )، ولأن في حال أهل سبأ مضادة لأحوال داود وسليمان، إذ كان هذان مثلاً في إسباغ النعمة على الشاكرين، وكان أولئك مثلاً لسلب النعمة عن الكافرين، وفيهم موعظة للمشركين إذ كانوا في بحبوحة من النعمة فلما جاءهم رسول من المُنعِم عليهم يذكرهم بربهم ويوقظهم بأنهم خاطئون إذ عبدوا غيره، كذّبوه وأعرضوا عن النظر في دلالة تلك النعمة على المنعِم المتفرد بالإِلاهية.
وقال ابن عطية عند الكلام على قوله تعالى :( ولقد آتينا داود منا فضلاً ( ( سبأ : ١٠ ) ( لمّا فرغ التمثيل لمحمد ( ﷺ ) رجع التمثيل لهم ( أي للمشركين أي لحالهم ) بسبإ وما كان من هلاكهم بالكفر والعتوّ ) ا هـ. فهذه القصة تمثيل أمة بأمة، وبلاد بأخرى، وذلك من قياس وعبرِه. وهي فائدة تدوين التاريخ وتقلبات الأمم كما قال تعالى :( ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم اللَّه فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون ( ( النحل : ١١٢، ١١٣ ) فسوَق هذه القصة تعريض بأشباه سبأ. والمعنى : لقد كان لسبأ في حال مساكنهم ونظام بلادهم آية.


الصفحة التالية
Icon