" صفحة رقم ١٧٥ "
أو لأنه الذي خلق لهم تربة طيبة تتوفر محاصيلها على حاجة السكان فتسمح لهم بتطلب ترْويجها في بلاد أخرى.
ووصف ) ظاهرة ( أنها متقاربة بحيث يظهر بعضها لبعض ويتراءى بعضها من بعض. وقيل : الظاهرة التي تظهر للسائر من بعد بأن كانت القرى مبنية على الآكام والظِراب يشاهدها المسافر فلا يضل طريقها. وقال ابن عطية : الذي يظهر لي أن معنى ) ظاهرةً ( أنها خارجة عن المدن فهي في ظواهر المدن ومنه قولهم : نزلنا بظاهر المدينة الفلانية، أي خارجاً عنها. فقوله :( ظاهرةً ( كتسمية الناس إياها بالبادية وبالضاحية، ومنه قول الشاعر وأنشده أهل اللغة :
فلو شهدتني من قريش عصابة
قريششِ البطاح لا قريششِ الظواهر
وفي حديث الاستسقاء :( وجاء أهل الظواهر يشتكون الغرق ) ا هـ. وهو تفسير جميل. ويكون في قوله :( ظاهرةً ( على ذلك كناية عن وفرة المدن حتى إن القرى كلها ظاهرة منها.
ومعنى تقدير السير في القرى : أن أبعادها على تقدير وتَعادل بحيث لا يتجاوز مقدار مرحلة. فكانَ الغادي يقبل في قرية والرائح يبيت في قرية. فالمعنى : قدرنا مسافات السير في القرى، أي في أبعادها. ويتعلق قوله :( فيها ( بفعل ) قدرنا ( لا بالسير لأن التقدير في القرى وأبعادها لا في السير إذ تقدير السير تبع لتقدير الأبعاد.
وجملة ) سيروا في ليالي ( مقول قول محذوف. وجملة القول بيان لجملة ) قدرنا ( أو بدل اشتمال منها.
وهذا القول هو قول التكوين وهو جعلها يسيرون فيها. وصيغة الأمر للتكوين. وضمير ) فيها ( عائد إلى القرى، والظرفية المستفادة من حرف الظرف تخييل لمكنيةٍ، شبهت القُرى لشدة تقاربها بالظرف وحذف المشبه به ورُمز إليه بحرف الظرفية. والمعنى : سيروا بينها.
وكانوا يسيرون غدوًّا وعشيًّا فيسِيرون الصباح ثم تعترضهم قرية فيريحون فيها


الصفحة التالية
Icon