" صفحة رقم ١٨٧ "
ثم نفى أن يكون منهم ظهير، أي معين لله تعالى. وتقدم الظهير في قوله تعالى : ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا في سورة الإِسراء. وهنا تعين التصريح بالمتعلق ردّاً على المشركين إذ زعموا أن آلهتهم تُقرِّب إليه وتُبَعّد عنه، ثم أتبع ذلك بنفي أن يكون شفيع عند الله يضطره إلى قبول الشفاعة فيمن يشفع له لتعظيم أو حياء. وقد صرح بالمتعلق هنا أيضاً رداً على قول المشركين هؤلاء شفعاؤنا عند الله ( ( يونس : ١٨ ) فنفيت شفاعتهم في عموم نفي كل شفاعة نافعة عند الله إلا شفاعة من أذن الله أن يشفع. وفي هذا إبطال شفاعة أصنامهم لأنهم زعموا لهم شفاعة لازمة من صفات آلهتهم لأن أوصاف الإِله يجب أن تكون ذاتية فلما نفى الله كل شفاعة لم يأذن فيها للشافع انتفت الشفاعة المزعومة لأصنامهم. وبهذا يندفع ما يتوهم من أن قوله :( إلا لمن أذن له ( لا يبطل شفاعة الأصنام فافهَمْ.
وجاء نظم قوله :( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ( نظماً بديعاً من وفرة المعنى، فإن النفع يجيء بمعنى حصول المقصود من العمل ونجاحه كقول النابغة :
ولا حَلِفي على البراءة نافع
ومنه قوله تعالى :( لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل ( ( الأنعام : ١٥٨ )، ويجيء بمعنى المساعد الملائم وهو ضد الضار وهو أكثر إطلاقه. ومنه : دواء نافع، ونفعني فلان. فالنفع بالمعنى الأول في الآية يفيد القبول من الشافع لشفاعته، وبالمعنى الثاني يفيد انتفاع المشفوع له بالشفاعة، أي حصول النفع له بانقشاع ضر المؤاخذة بذنب كقوله تعالى :( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ( ( المدثر : ٤٨ ). فلما عبر في هذه الآية بلفظ الشفاعة الصالح لأن يعتبر مضافاً إلى الفاعل أو إلى المفعول احتمل النفع أن يكون نفع الفاعل، أي قبول شفاعته، ونفعَ المفعول، أي قبول شفاعة من شفع فيه.
وتعدية فعل الشفاعة باللام دون ( في ) ودون تعديته بنفسه زاد صلوحيته للمعنيين لأن الشفاعة تقتضي شافعاً ومشفوعاً فيه فكان بذلك أوفرَ معنىً.
فالاستثناء في قوله :( إلا لمن أذن له ( استثناء من جنس الشفاعة المنفي بقرينة وجود اللام وليس استثناء من متعلَّق ) تنفع ( لأن الفعل لا يعدّى إلى مفعوله باللام إلا إذا تأخر الفعل عنه فضعف عن العمل بسبب التأخير فلذلك احتملت


الصفحة التالية
Icon