" صفحة رقم ٢٠٢ "
عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين ( ( القصص : ٤٩ ) الآية. فلما لما يجدوا سبيلاً للمكابرة في مساواة حاله بحال الرسل الأولين وأوَوْا إلى مأْوى الشرك الصريح فلجأُوا إلى إنكار رسالة الرسل كلهم حتى لا تنهض عليهم الحجة بمساواة أحوال الرسول وأحوال الرسل الأقدمين فكان من مستقر أمرهم أن قالوا :( لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ).
وقد كان القرآن حاجَّهم بأنهم كفروا ) بما أوتي موسى من قبل كما في سورة القصص، أي كفر أمثالهم من عَبدة الأصنام وهم قِبط مصر بما أوتي موسى وهو من الاستدلال بقياس المساواة والتمثيل.
فهذا وجه قولهم : ولا بالذي بين يديه ( لأنهم لم يكونوا مدْعُوِّين لا يؤمنوا بكتاب آخر غير القرآن ولكن جرى ذلك في مجاري الجدال والمناظرة فعدم إيمانهم بالقرآن مشهور معلوم وإنما أرادوا قطع وسائل الإِلزام الجدلي.
وهذه الآية انتقال إلى ذكر طعن المشركين في القرآن وهي معطوفة على جملة ) ويقولون متى هذا الوعد ( ( سبأ : ٢٩ ).
والاقتصار على حكاية مقالتهم دون تعقيب بما يبطلها إيماء إلى أن بطلانها بادٍ لكل مَنْ يسمعها حيث جمعت التكذيب بجميع الكتب والشرائع وهذا بهتان واضح.
وحكاية مقالتهم هذه بصيغة الماضي تؤذن بأنهم أقلعوا عنها.
وجيء بحرف ) لن ( لتأكيد نفي إيمانهم بالكتب المنزلة على التأبيد تأييساً للنبيء ( ﷺ ) والمسلمين من الطمع في إيمانهم به.
واسم الإِشارة مشار به إلى حاضر في الأذهان لأن الخوض في القرآن شائع بين الناس من مؤيد ومنكر فكأنه مشاهدَ. وليس في اسم الإِشارة معنى التحقير لأنهم ما كانوا ينبزون القرآن بالنقصان، أَلا ترى إلى قول الوليد بن المغيرة :( إن أعلاه لمُثْمِر وإن أسفله لَمُغْدق )، وقول عبد الله بن أُبيّ بعد ذلك :( لاَ أحسن مما تقول أيها المرء )، وأن عتبة بن ربيعة لما قرأ عليه رسول الله ( ﷺ ) القرآن وقال له :( هل ترى بما أقول بأساً ؟ ) فقال :( لا والدِّماء ). وكيف وقد تحداهم الإِتيان