" صفحة رقم ٢٢٣ "
جعلوا أنفسهم موالين لله فقد كذبوا المشركين الذين زعموا لهم الإِلهية، لأن العابد لا يكون معبوداً. وقد تقدم الكلام على لفظ ( ولي ) عند قوله تعالى :( قل أغير اللَّه أتخذ ولياً في سورة الأنعام وفي آخر سورة الرعد.
ومِن ( زائدة للتوكيد و ( دون ) اسم لمعنى غير، أي أنت ولينا وهم ليسوا أولياء لنا ولا نرضى بهم لكفرهم ف ) من دونهم ( تأكيد لما أفادته جملة ) أنت ولينا ( من الحَصر لتعريف الجزأين.
و ) بل ( للإِضراب الانتقالي انتقالاً من التبرؤ منهم إلى الشهادة عليهم وعلى الذين سَوّلوا لهم عبادة غير الله تعالى، وليس إضراب إبطال لأن المشركين المتحدث عنهم كانوا يعبدون الملائكة، والمعنى : بل كان أكثر هؤلاء يعبدون الجن وكان الجنّ راضين بعبادتهم إياهم. وحاصل المعنى : أنا منكرون عبادتهم إياناً ولم نأمرهم بها ولكن الجن سوّلت لهم عبادة غير الله فعبدوا الجن وعبدوا الملائكة.
وجملة ) أكثرهم ( للمشركين وضمير ) بهم ( للجن، والمقام يردّ كل ضمير إلى معاده ولو تماثلت الضمائر كما في قول عباس بن مرداس يوم حنين :
عُدنا ولولا نحن أحدق جمعهم
بالمسلمين وأحرزوا ما جَمَّعوا
أي أحرز جَمْع المشركين ما جَمَّعه المسلمون من مغانم.
وقرأ الجمهور ) نحشرهم ( و ) نقول ( بنون العظمة. وقرأ حفص عن عاصم بياء الغائب فيهما، والضمير عائد إلى ) ربي ( من قوله :( قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له ( ( سبأ : ٣٩ ).
الأظهر أن هذا من خطاب الله تعالى المشركين والجنَّ. والفاء فصيحة ناشئة عن المقاولة السابقة. وهي كلام موجه من جانب الله تعالى إلى الملائكة والمقصود به : التعريض بضلال الذين عبدوا الملائكة والجن لأن الملائكة يعلمون مضمون هذا الخبر فلا نقصد إفادتهم به. والمعنى : إذ علمتم أنكم عبدتم الجن فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعاً ولا ضراً.


الصفحة التالية
Icon