" صفحة رقم ٢٣٠ "
الثانية في قوله : فكيف كان نكير ( تأكيداً لفظياً للفاء في قوله :( فكذبوا رسلي ).
وقوله :( فكيف كان نكير ( مفرع على قوله :( وكذب الذين من قبلهم ).
و ( كيف ) استفهام عن الحالة وهو مستعمل في التقرير والتفريع كقول الحجاج للعُدَيل ابن الفرخ ( فكيفَ رأيتَ الله أمْكَنَ منك )، أي أمكنني منك، في قصة هروبه.
فجملتا ) فكذبوا رسلي فكيف كان نكير ( في قوة جملة واحدة مفرعة على جملة ) وكذب الذين من قبلهم ). والتقدير : وكذب الذين من قبلهم فكيف كان نكيري على تكذيبهم الرسل، ولكن لما كانت جملة ) وكذب الذين من قبلهم ( مقصوداً منها تسلية الرسول ابتداءً جعلت مقصورة على ذلك اهتماماً بذلك الغرض وانتصاراً من الله لرسوله ( ﷺ ) ثم خُصّت عِبرة تسبب التكذيب في العقاب بجملة تخصها تهويلاً للتكذيب وهو من مقامات الإِطناب، فصادف أن كان مضمون الجملتين متحداً اتحاد السبب لمسببين أو العلةِ لمعلولين كعلة السرقة للقطع والغرم. وبني النظم على هذا الأسلوب الشيق تجنباً لثقل إعادة الجملة إعادةً ساذجة ففرعت الثانية على الأولى وأظهر فيها مفعول ) كذب ( وبني عليه الاستفهام التقريري التفظيعي، أو فرع للتكذيب الخاص على التكذيب الذي هو سجيتهم العامة على الوجه الثاني في معنى :( وكذَّب الذين من قبلهم ( كما تقدم، ونظيره قوله تعالى :( كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر ( ( القمر : ٩ ).
والنكير : اسم للإِنكار وهو عدّ الشيء منكراً، أي مكروهاً، واستعمل هنا كناية عن الغضب وتسليط العقاب على الآتي بذلك المنكر فهي كناية رمزية.
والمعنى : فكيف كان عقابي لهم على ما جاءوا به مما أنكره، أي كان عقاباً عظيماً على وفق إنكارنا تكذيبهم.
و ) نكير ( بكسر الراء وهو مضاف إلى ياء المتكلم، وحذفت الياء للتخفيف مع التنبيه عليها ببقاء الكسرة على آخر الكلمة وليناسب الفاصلة وأختها. وكتب في المصحف بدون ياء وبوقف عليه بالسكون.


الصفحة التالية
Icon