" صفحة رقم ٢٣٩ "
قد جاء بنزول القرآن ودعوة الإِسلام. وعُطف ) وما يبدىء الباطل وما يعيد ( على ) جاء الحق ( لأنه إذا جاء الحق انقشع الباطل من الموضع الذي حلّ فيه الحق.
و ) يبدىء ( مضارع أبدأَ بهمزة في أوله وهمزة في آخره والهمزة التي في أوله للزيادة مثل همزة : أجاء، وأسرى. وإسناد الإِبداء والإِعادة إلى الباطل مجاز عقلي أو استعارة.
ومعنى ) ما يبدىء الباطل وما يعيد ( الكناية عن اضمحلاله وزواله وهو ما عبر عنه بالزهوق في قوله تعالى :( إن الباطل كان زهوقاً في سورة الإِسراء. وذلك أن الموجود الذي تكون له آثارٌ إمّا أن تكون آثاره مستأنفة أو معادة فإذا لم يكن له إِبداء ولا إعادة فهو معدوم وأصله مأخوذ من تصرف الحي فيكون ما يبدىء وما يعيد ( كناية عن الهلاك كما قال عَبيد بن الأبرص :
أفقر من أهله عَبيد
فاليوم لا يُبدي ولا يعيد
( يعني نفسه ).
ويقولون أيضاً : فلان ما يبدىء وما يعيد، أي ما يتكلم ببادئة ولا عائدة، أي لا يرتجل كلاماً ولا يجيب عن كلام غيره. وأكثر ما يستعمل فعل ( أبدأ ) المهموز أوله مع فعل ( أعاد ) مزدوجين في إثبات أو نفي، وقد تقدم قوله تعالى :( أولم يروا كيف يبدىء الله الخلق ثم يعيده في سورة العنكبوت.
لما جرى ذكر الحق والباطل وكانوا يزعمون من مجموع أقوالهم أن النبي عليه الصلاة والسلام غير صادق في دعوى الرسالة من الله كانت أقوالهم تقتضي زعمهم إياه على ضلال وكان الردّ عليهم قاطعاً بأنه على هدى بقوله :( قل جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد ( ( سبأ : ٤٩ ) انتُقل هنا إلى متاركة جِدالهم وتركهم وشأنَهم لقلة جدوى مراجعتهم.
وهذا مَحْضَر خاص وطَيّ بساط مجلس واحد، فلا يقتضي أنه يستمر على ترك


الصفحة التالية
Icon