" صفحة رقم ٢٥٣ "
فقوله هنا :( وما يمسك ( حذف مفعوله لدلالة قوله :( ما يفتح الله للناس من رحمة ( عليه. والتقدير : وما يمسكه من رحمة، ولم يُذكر له بيان استغناءً ببيانه من فعل.
والإِرسال : ضد الإِمساك، وتعدية الإِرسال باللام للتقوية لأن العامل هنا فرع في العمل.
و ) من بعده ( بمعنى : من دونه كقوله تعالى :( فمن يهديه من بعد الله ( ( الجاثية : ٢٣ ) ) فبأي حديث بعد الله ( ( الجاثية : ٦ )، أي فلا مرسل له دون الله، أي لا يقدر أحد على إبطال ما أراد الله من إعطاء أو منع والله يحكم لا معقب لحكمه. وتذكير الضمير في قوله :( فلا مرسل له ( مراعاة للفظ ) ما ( لأنها لا بيان لها، وتأنيثه في قوله :( فلا ممسك لها ( لِمراعاة بيان ) ما ( في قوله :( من رحمة ( لقربه.
وعطف ) وهو العزيز الحكيم ( تذييل رجّح فيه جانب الإِخبار فعطف، وكان مقتضى الظاهر أن يكون مفصولاً لإِفادة أنه يفتح ويمسك لحكمة يعلمها، وأنه لا يستطيع أحد نقضَ ما أبْرَمَه في فتح الرحمة وغيره من تصرفاته لأن الله عزيز لا يمكن لغيره أن يغلبه، فأنّ نقض ما أبرم ضرب من الهوان والمذلّة. ولذلك كان من شعار صاحب السؤدد أنه يبرم وينقض قال الأعشى :
علقمَ ما أنت إلى عامر
الناقِض الأوتار والواتر
وضمير ) لها ( وضمير ) له ( عائدان إلى ) ما ( من قوله :( ما يفتح الله للناس من رحمة (، روعي في تأنيث أحد الضميرين معنى ) ما ( فإنه اسم صادق على ) رحمة ( وقد بُيّن بها، وروعي في تذكير الضمير الآخر لفظ ) ما ( لأنه لفظ لا علامة تأنيث فيه. وهما اعتباران كثيران في مثله في فصيح الكلام، فالمتكلم بالخيار بين أيّ الاعتبارين شاء. والجمع بينهما في هذه الآية تفنن. وأوثر بالتأنيث ضمير ) ما ( لأنها مبيّنة بلفظ مؤنث وهو ) من رحمة ).
لما جرى ذكر رحمة الله التي تعم الناس كلهم أقبل على خطابهم بأن يتذكروا


الصفحة التالية
Icon