" صفحة رقم ٢٦١ "
وإنما أمر الله باتخاذ العدوّ عدواً ولم يندب إلى العفو عنه والإِغضاء عن عداوته كما أمر في قوله :( فمن عفا وأصلح فأجره على الله ( ( الشورى : ٤٠ ) ونحو ذلك مما تكرر في القرآن وكلام الرسول ( ﷺ ) لأن ما ندب إليه من العفو إنما هو فيما بين المسلمين بعضهم مع بعض رجاء صلاح حال العدوّ لأن عداوة المسلم عارضة لأغراض يمكن زوالها ولها حدود لا يخشى معها المضار الفادحة كما قال تعالى :( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ( ( فصلت : ٣٤ ) ولذلك لم يأمر الله تعالى بمثل ذلك مع أعداء الدين فقال :( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ( ( الممتحنة : ١ ) الآية، بل لم يأمر الله تعالى بالعفو عن المحاربين من أهل الملّة لأن مناوأتهم غير عارضة بل هي لغرض ابتزاز الأموال ونحو ذلك فقال :( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ( ( المائدة : ٣٤ ) فعداوة الشيطان لما كانت جبلّية لا يرجى زوالها مع من يعفو عنه لم يأمر الله إلا باتخاذه عدوّاً لأنه إذا لم يتخذ عدوّاً لم يراقب المسلم مكائده ومخادعته. ومن لوازم اتخاذه عدوّاً العملُ بخلاف ما يدعو إليه لتجنب مكائده ولمقته بالعمل الصالح.
فالإِيقاع بالناس في الضرّ لا يسلم منه أولياؤه ولا أعداؤه ولكن أولياءه يضمِر لهم العداوة ويأنس بهم لأنه يقضي بهم وَطَره وأما أعداؤه فهو مع عداوته لهم يشمئزُّ وينفر ويغتاظ من مقاومتهم وساوِسَه إلى أن يبلغ حدّ الفرار من عظماء الأمة فقد قال النبي ( ﷺ ) لعمر :( إيه يا بنَ الخطاب ما رآك الشيطان سالكاً فَجًّا إلا سلك فجَّاً غير فَجِّك ). وورد في ( الصحيح ) ( إذا أقيمت الصلاة أدبر الشيطان ) الحديث. وورد ( أنه ما رِيءَ الشيطانُ أخسأ وأحقر منه في يوم عرفة لما يرى من الرحمة ).
وأعقب الأمر باتخاذ الشيطان عدوّاً بتحذير من قبُول دعوته وحثَ على وجوب اليقظة لتغريره وتجنب توليه بأنه يسعى في ضرّ أوليائه وحزبه فيدعوهم إلى ما يوقعهم في السعير. وهذا يؤكد الأمرَ باتخاذه عدوّاً لأن أشدّ الناس تضرراً به هم حزبه وأولياؤه.
وجملة ) إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ( تعليل لجملة ) فاتخذوه عدواً ). وجيء بها في صيغة حصر لانحصار دعوته في الغاية المذكورة عقبها بلام العلة كيلا يتوهم أن دعوته تخلو عن تلك الغاية ولو في وقت مّا. وبهذا


الصفحة التالية
Icon