" صفحة رقم ٢٦٥ "
للتسلية وتأييس من اهتداء من لم يخلق الله فيه أسباب الاهتداء إلى الحق من صحيح النظر وإنصاف المجادلة.
وإسناد الإِضلال والهداية إلى الله إسناد بواسطة أنه خالق أسباب الضلال والاهتداء، وذلك من تصرفه تعالى بالخلق وهو سر من الحكمة عظيم لا يدرك غوره وله أصول وضوابط سأبينها في ( رسالة القضاء والقدر ) إن شاء الله تعالى.
وجملة ) فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ( مفرعة على المفرع على جملة ) أفمن زين له سوء عمله ( الخ فتؤول إلى التفريع على الجملتين فيؤول إلى أن يكون النظم هكذا : أفتتحسر على من زُيّن لهم سوء أعمالهم فرأوها حسناتتٍ واختاروا لأنفسهم طريق الضلال فإن الله أضلهم باختيارهم وهو قد تصرف بمشيئته فهو أضلهم وهدى غيرهم بمشيئته وإرادته التي شاء بها إيجاد الموجودات لا بأمره ورضاه الذي دعا به الناس إلى الرشاد، فلا تذهبْ نفسك عليهم حسرات وإنما حسرتهم على أنفسهم إذ رضوا لها باتباع الشيطان ونبذوا اتباع إرشاد الله كما دلّ على ذلك قوله :( إن الله عليم بما يصنعون ( تسجيلاً عليهم أنهم ورطوا أنفسهم فيما أوقعوها فيه بصنعهم.
فالله أرشدهم بإرسال رسوله ليهديهم إلى ما يرضيه، والله أضلهم بتكوين نفوسهم نافرة عن الهدى تكويناً متسلسلاً من كائنات جمّة لا يحيط بها إلا علمه وكلها من مظاهر حكمته ولو شاء لجعل سلاسل الكائنات على غير هذا النظام فلهَدَى الناس جميعاً، وكلّهم ميسّر بتيْسيره إلى ما يعلم منهم فعدل عن النظم المألوف إلى هذا النظم العجيب. وصيغ بالاستفهام الإِنكاري والنهي التثبيتي، ونظير هذه الآية في هذا الأسلوب قوله تعالى :( أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار في سورة الزمر، فإن أصل نظمها : أفمن حق عليه كلمة العذاب أنت تنقذه من النار، أفأنت تنقذ الذين في النار. إلا أن هذه الآية زادت بالاعتراض وكان المفرع الأخير فيها نهياً والأخرى عَريت عن الاعتراض وكان المفرع الأخير فيها استفهاماً إنكارياً.
والنهي موجه إلى نفس الرسول أن تذهب حسرات على الضالّين ولم يوجه إليه بأن يقال : فلا تذهب عليهم حسرات، والرسول ونفسه متحدان


الصفحة التالية
Icon