" صفحة رقم ٢٧٠ "
كان ذلك صارفَه عن الدين الحق فليعلم بأن العزة الحق في اتباع الإِسلام وأن ما هم فيه من العزةِ كالعدم.
و ) مَن ( شرطية، وجعل جوابها ) فلله العزة جميعاً (، وليس ثبوت العزة لله بمرتب في الوجود على حصول هذا الشرط فتعين أن ما بعد فاء الجزاء هو علة الجواب أقيمت مُقامه واستُغني بها عن ذكره إيجازاً، وليحصل من استخراجه من مطاوي الكلام تقرُّره في ذهن السامع، والتقديرُ : من كان يريد العذاب فليستجِبْ إلى دعوة الإِسلام ففيها العزة لأن العزة كلها لله تعالى، فأما العزة التي يتشبثون بها فهي كخيط العنكبوت لأنها واهية بالية. وهذا أسلوب متبع في المقام الذي يراد فيه تنبيه المخاطب على خطإ في زعمه كما في قول الربيع بن زياد العبسي في مقتل مالك بن زهير العبسي :
من كَان مسروراً بمقتل مالك
فليأتتِ نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسراً يندبْنَه
بالليل قبل تبلُّج الإِسفار
أراد أن من سَرَّه مقتل مالك فلا يتمتع بسروره ولا يحسب أنه نال مبتغاه لأنه إن أتى ساحة نسوتنا انقلب سروره غمّاً وحزناً إذ يجد دلائل أخذ الثأر من قاتِله بادية له، لأن العادة أن القتيل لا يندبه النساء إلا إذا أُخذ ثأره. هذا ما فسره المرزوقي وهو الذي تلقيتُه عن شيخنا الوزير وفي البيتين تفسير آخر.
وقد يكون بالعكس وهو تثبيت المخاطب على علمه كقوله تعالى :( من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآتٍ ( ( العنكبوت : ٥ ).
وقريب من هذا الاستعمال ما يقصد به إظهار الفرق بين من اتصف بمضمون الشرط ومن اتصف بمضمون الجزاء كقول النابغة :
فمن يكن قد قضى من خُلّةٍ وطراً
فإنني منككِ ما قضَّيْتُ أوطاري
وقول ضابىء بن الحارث :
ومن يك أمسى بالمدينة رَحله
فإني وَقَيَّار بها لغريب
وقول الكلابي :
فمن يُكلَم يَغْرَضْ فإني ونَاقتي
بحَجْرٍ إلى أهل الحِمى غَرِضَان


الصفحة التالية
Icon