" صفحة رقم ٢٧٥ "
وعبر عنهم باسم الإِشارة دون الضمير الذي هو مقتضى الظاهر لتمييزهم أكمل تمييز، فيكنى بذلك عن تمييز المكر المضاف إليهم ووضوحه في علم الله وعلم رسوله ( ﷺ ) بما أعلمه الله به منه، فكأنما أشير إليهم وإلى مكرهم باسم إشارة واحد على سبيل الإِيجاز.
والضمير المتوسط بين ) مكر أولئك ( وبين ) يبور ( ضمير فصل إذ لا يحتمل غيره. ومثله قوله تعالى :( ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ( ( التوبة : ١٠٤ ).
والراجح من أقوال النحاة قول المازني : إن ضمير الفصل يليه الفعل المضارع، وحجته قوله :( ومكر أولئك هو يبور ( دون غير المضارع، ووافقه عبد القاهر الجرجاني في ( شرح الإِيضاح ) لأبي على الفارسي، وخالفهما أبو حيان وقال : لم يذهب أحد إلى ذلك فيما علمنا. وأقول : إن وجه وقوع الفعل المضارع بعد ضمير الفصل أن المضارع يدل على التجدد فإذا اقتضى المقام إرادة إفادة التجدد في حصول الفعل من إرادة الثبات والدوام في حصول النسبة الحكمية لم يكن إلى البليغ سبيل للجمع بين القصدين إلا أن يأتي بضمير الفصل ليفيد الثبات والتقوية لتعذر إفادة ذلك بالجملة الإسلامية. وقد تقدم القول في ذلك عند قوله :( وأولئك هم المفلحون ( ( البقرة : ٥ )، فالفصل هنا يفيد القصر، أي مكرهم يبور دون غيره، ومعلوم أن غيره هنا تعريض بأن الله يمكر بهم مكراً يصيب المحزّ منهم على حد قوله تعالى :( ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ( ( آل عمران : ٥٤ ).
والبوار حقيقته : كساد التجارة وعدم نَفاق السلعة، واستعير هنا لخيبة العمل بوجه الشبه بين ما دبروه من المكر مع حرصهم على إصابة النبي ( ﷺ ) بضرّ وبين ما ينمِّقه التاجر وما يخرجه من عيابه ويرصفه على مِبْنَاتِه وسط اللَّطِيمة مع السلع لاجتلاب شَرَه المشترين. ثم لا يُقبِل عليه أحد من أهل السوق فيرجع من لطيمته لطيمَ كف الخيبة، فارغ الكف والعيبة.
هذا عود إلى سوق دلائل الوحدانية بدلالة عليها من أنفس الناس بعد أن قدم لهم ما هو من دلالة الآفاق بقوله :( والله الذي أرسل الرياح ( ( فاطر : ٩ ). فهذا كقوله :


الصفحة التالية
Icon