" صفحة رقم ٢٨٠ "
فالاختلاف بين البحرين بالعذوبة والملوحة دليل على دقيق صنع الله. والتخالف في بعض مستخرجاتهما والتماثل في بعضها دليل آخر على دقيق الصنع وهذا من أفانين الاستدلال.
والعذب : الحلو حلاوة مقبولة في الذوق.
والملح بكسر الميم وسكون اللام : الشيء الموصوف بالملوحة بذاته لا بإلقاء ملح فيه، فأما الشيء الذي يلقى فيه الملح حتى يكتسب ملوحة فإنما يقال له : مَالح، ولا يقال : ملح.
ومَعنى :( سائغ شرابه ( أن شربه لا يكلف النفس كراهة، وهو مشتق من الإِساغة وهي استطاعة ابتلاع المشروب دون غصة ولا كره. قال عبد الله بن يَعرب :
فساغ لي الشراب وكنت قبْلاً
أكاد أغُصّ بالماء الحميم
والأجاج : الشديد الملوحة، وتقدم ذكر البحر في قوله تعالى :( ويعلم ما في البر والبحر في سورة الأنعام، وبقية الآية تقدم نظيره في أول سورة النحل.
وتقديم الظرف في قوله : فيه مواخر ( على عكس آية سورة النحل، لأن هذه الآية مسوقة مساق الاستدلال على دقيق صنع الله تعالى في المخلوقات وأُدمج فيه الامتنان بقوله :( تأكلون.... وتستخرجون حلية ( وقوله :( لتبتغوا من فضله ( فكان المقصد الأول من سياقها الاستدلال على عظيم الصنع فهو الأهم هنا. ولما كان طُفُو الفلك على الماء حتى لا يَغْرِق فيه أظهرَ في الاستدلال على عظيم الصنع من الذي ذكر من النعمة والامتنان قدم ما يدل عليه وهو الظرفية في البحر. والمخر في البحر آية صنع الله أيضاً بخلق وسائل ذلك والإِلهام له، إلاّ أن خطور السفر من ذلك الوصف أو ما يتبادر إلى الفهم فأخر هنا لأنه من مستتبعات الغرض لا من مقصده فهو يستتبع نعمة تيسير الأسفار لقطع المسافات التي لو قطعت بسير القوافل لطالت مدة الأسفار.
ومن هنا يلمعُ بارقُ الفرققِ بين هذه الآية وآية سورة النحل في كون فعل ) لتبتغوا ( غير معطوف بالواو هنا ومعطوفاً نظيره في آية النحل لأن الابتغاء علق


الصفحة التالية
Icon