" صفحة رقم ٢٩٠ "
والإِطلاق في القربى يشمل قريب القرابة كالأبوين والزوجين كما قال تعالى :( يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه ( ( عبس : ٣٤، ٣٥ ).
وهذا إبطال لاعتقاد الغَناء الذاتي بالتضامن والتحامل فقد كان المشركون يقيسون أمور الآخرة على أمور الدنيا فيعلّلون أنفسهم إذا هُدّدوا بالبعث بأنه إن صح فإن لهم يومئذٍ شفعاء وأنصاراً، فهذا سياق توجيه هذا إلى المشركين ثم هو بعمومه ينسحب حكمهُ على جميع أهل المحشر، فلا يحمل أحد عن أحد إثمه. وهذا لا ينافي الشفاعة الواردة في الحديث، كما تقدم في سورة سبأ، فإنها إنما تكون بإذن الله تعالى إظهاراً لكرامة نبيئه محمد ( ﷺ ) ولا ينافي ما جعله الله للمؤمنين من مكفّرات للذنوب كما ورد أن أفراط المؤمنين يشفعون لأمهاتهم، فتلك شفاعة جعلية جعلها الله كرامة للأمهات المصابة من المؤمنات.
استئناف بياني لأن الرسول ( ﷺ ) يخطر في نفسه التعجب من عدم تأثر أكثر المشركين بإنذاره فأجيب بإن إنذاره ينتفع به المؤمنون ومن تهيّأوا للإِيمان.
وإيراد هذه الآية عقب التي قبلها يؤكد أن المقصد الأول من التي قبلها موعظة المشركين وتخويفهم، وإبلاغ الحقيقة إليهم لاقتلاع مزاعمهم وأوهامهم في أمر البعث والحساب والجزاء. فأقبل الله على رسوله ( ﷺ ) بالخطاب ليشعر بأن تلك المواعظ لم تُجْدِ فيهم وأنها إنما ينتفع بها المسلمون، وهو أيضاً يؤكد ما في الآية الأولى من التعريض بتأمين المسلمين بما اقتضاه عموم الإِنذار والوعيد.
وأطلق الإِنذار هنا على حصول أثره، وهو الانكفاف أو التصديق به، وليس المراد حقيقة الإِنذار، وهو الإِخبار عن توقع مكروه لأن القرينة صادقة عن المعنى الحقيقي وهي قرينةُ تكرر الإِنذار للمشركين الفيْنَة بعد الفيْنة وما هو ببعيد عن هذه الآية، فإن النبي ( ﷺ ) أنذر المشركين طول مدة دعوته، فتعين أن تعلق الفعل المقصور عليه ب ) الذين يخشون ربهم بالغيب ( تعلّقٌ على معنى حصول أثر الفعل.


الصفحة التالية
Icon