فالمراد بـ﴿مَاَ قَدَّمُوا﴾ ما عملوا من الأعمال قبل الموت؛ شبهت أعمالهم في الحياة الدنيا بأشياء يقدمونها إلى الدار الآخرة كما يقدم المسافر ثَقله وأحماله.
وأما الآثار فهي آثار الأعمال وليست عينَ الأعمال بقرينة مقابلته بـ﴿مَاَ قَدَّمُوا ﴾ مثل ما يتركون من خير أو يثير بين الناس وفي النفوس.
والمقصود بذلك ما عملوه موافقاً للتكاليف الشرعية أو مخالفاً لها وآثارهم كذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "من سَنَّ سُنة حسنة فله أجْرُها وأجر مَن عمل بها إلى يوم القيامة ومَن سَنّ سنة سيئة فعليه وزرُها ووزرُ من عمل بها إلى يوم القيامة لا يَنقص ذلك من أعمالهم شيئاً".
فالآثار مسببات أسباب عملوا بها. وليس المراد كتابة كل ما عملوه لأن ذلك لا تحصل منه فائدة دينية يترتب عليها الجزاء. فهذا وعد ووعيد كلٌّ يأخذ بحظه منه.
وقد ورد عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلّم بلغه أن بني سلمة أرادوا أن يتحوّلوا من منازلهم في أقصى المدينة إلى قُرب المسجد وقالوا: البقاع خالية، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلّم "يا بني سَلِمة ديارَكم تُكتبْ آثاركم" مرتين رواه مسلم. ويعني آثار أرجلهم في المشي إلى صلاة الجماعة.
وفي رواية الترمذي عن أبي سعيد زاد: أنَّه قرأ عليهم: ﴿وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُوا وَءَاثَارَهُمْ ﴾ فجعل الآثار عامّاً للحسية والمعنوية، وهذا يلاقي الوجه الثاني في موقع جملة ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ الْمَوْتَى ﴾. وهو جار على ما أسسناه في المقدمة التاسعة. وتوهَّم راوي الحديث عن الترمذي أن هذه الآية نزلت في ذلك وسياق الآية يخالفه ومكيتها تنافيه.
والإِحصاء: حقيقته العدّ والحساب وهو هنا كناية عن الإِحاطة والضبط وعدم تخلف شيء عن الذكر والتعيين لأن الإِحصاء والحساب يستلزم أن لا يفوت واحد من المحسوبات.
والإِمام: ما يُؤتم به في الاقتداء ويُعمَل على حسب ما يَدلّ عليه، قال النابغة:
٣٥٦


الصفحة التالية
Icon