بعذاب الدنيا إذ قد جاء في آخر هذه القصة قوله: ﴿إِن كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَـامِدُونَ﴾ (يس: ٢٩).
والضرب مجاز مشهور في معنى الوضع والجعل، ومنه: ضرب ختمه. وضربتْ بيتاً، وهو هنا في الجعل وتقدم عند قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْىِا أَن يَضْرِبَ مَثَلا مَّا﴾ في سورة البقرة.
والمعنى: اجعل أصحاب القرية والمرسلين إليهم شَبهاً لأهل مكة وإرسالك إليهم.
و﴿وَلَهُمْ﴾ يجوز أن يتعلق بـ﴿اضْرِب﴾ أي اضرب مثلاً لأجلهم، أي لأجل أن يعتبروا كقوله تعالى: ﴿ضَرَبَ لَكُم مَّثَلا مِّنْ أَنفُسِكُمْ ﴾ (الروم: ٢٨). ويجوز أن يكون ﴿لَهُمُ﴾ صفة لـ(مثَل)، أي اضرب شبيهاً لهم كقوله تعالى: ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الامْثَالَ ﴾ (النحل: ٧٤).
والمثل: الشبيه، فقوله: ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلا﴾ معناه ونظّرْ مثلاً، أي شَبِّه حالهم في تكذيبهم بك بشبيه من السابقين، ولما غلب المثل في المشابه في الحال وكان الضرب أعم جُعل ﴿مَّثَلا﴾ مفعولاً لـ﴿اضْرِب﴾، أي نظّر حالهم بمشابه فيها فحصل الاختلاف بين ﴿اضْرِب﴾، و﴿مَّثَلا﴾ بالاعتبار. وانتصب ﴿مَّثَلا﴾ على الحال.
وانتصب ﴿أَصْحَـابَ الْقَرْيَةِ﴾ على البيان لـ﴿مَّثَلا﴾، أو بدل، ويجوز أن يكون مفعولاً أول لـ﴿اضْرِب﴾ و﴿مَّثَلا﴾ مفعولاً ثانياً كقوله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً﴾ (النحل: ١١٢).
والمعنى: أن حال المشركين من أهل مكة كحال أصحاب القرية الممثل بهم.
و﴿الْقَرْيَةِ﴾ قال المفسرون عن ابن عباس: هي (أنطاكية) وهي مدينة بالشام متاخمة لبلاد اليونان.
والمرسلون إليها قال قتادة: هم من الحواريين بعثهم عيسى عليه السلام وكان ذلك حين رُفِع عيسى. وذكروا أسماءهم على اختلاف في ذلك.
٣٥٨


الصفحة التالية
Icon