ومعنى ﴿بِكُمْ﴾ بدعوتكم، وليسوا يريدون أن القرية حلّ بها حادث سوء يعمّ الناس كلهم من قحط أو وباء أو نحو ذلك من الضرّ العام مقارن لحلول الرسل أو لدعوتهم، وقد جوزه بعض المفسرين، وإنما معْنى ذلك: أن أحداً لا يخلو في هذه الحياة من أن يناله مكروه. ومن عادة أصحاب الأوهام السخيفة والعقول المأفونة أن يسندوا الأحداث إلى مقارناتها دون معرفة أسبابها ثم أن يتخيروا في تعيين مقارنات الشؤم أموراً لا تلائم شهواتهم وما ينفرون منه، وأن يعينوا من المقارنات للتيمن ما يرغبون فيه وتقبله طباعهم يغالطون بذلك أنفسهم شأن أهل العقول الضعيفة، فمرجع العلل كلها لديهم إلى أحوال نفوسهم ورغائبهم كما حكى الله تعالى عن قوم فرعون: ﴿فَإِذَا جَآءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ﴾ (الأعراف: ١٣١) وحكَى عن مشركي مكة ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَـاذِهِا مِنْ عِندِكَ ﴾ (النساء: ٧٨).
ويجوز أن يكونوا أرادوا بالشؤم أن دعوتهم أحدثت مشاجرات واختلافاً بين أهل القرية فلما تمالأت نفوس أهل القرية على أن تعليل كل حدث مكروه يصيب أحدهم بأنه من جراء هؤلاء الرسل اتفقت كلمتهم على ذلك فقالوا: ﴿إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ﴾ أي يقولها الواحد منهم أو الجمع فيوافقهم على ذلك جميع أهل القرية.
ثم انتقلوا إلى المطالبة بالانتهاء عن هذه الدعوة فقالوا: ﴿لَـاـاِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وبذلك ألجأوا (بولس) و (برنابا) إلى الخروج من أنطاكية فخرجا إلى أيقونية وظهرت كرامة (بولس) في أيقونية ثم في (لسترة) ثم في (دربة). ولم يزل اليهود في كل مدينة من هذه المدن يشاقّون الرسل ويضطهدونهم ويثيرون الناس عليهم ويَلحقونهم إلى كل بلد يحلّون به ليشغبوا عليهم، فمسّهم من ذلك عذاب وضرّ ورُجم (بولس) في مدينة (لسترة) حتى حسبوا أن قد مات.
ولام ﴿لَـاـاِن لَّمْ تَنتَهُوا ﴾ موطئة للقسم حكي بها ما صدر منهم من قسم بكلامهم.
حكي قول الرسل بما يرادفه ويؤدي معناه بأسلوب عربي تعريضاً بأهل الشرك من قريش الذين ضربت القرية مثلاً لهم، فالرسل لم يذكروا مادة الطيرة والطير وإنما
٣٦٣


الصفحة التالية
Icon