على أهل أقصى المدينة. وأنه قد يوجد الخير في الأطراف ما لا يوجد في الوسط، وأن الإِيمان يسبق إليه الضعفاء لأنهم لا يصدهم عن الحق ما فيه أهل السيادة من ترف وعظمة إذ المعتاد أنهم يسكنون وسط المدينة، قال أبو تمام:
كانت هي الوسطَ المحميّ فاتصلت
بها الحوادث حتى أصبحت طرَفا
وأما قوله تعالى في سورة القصص ﴿وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى ﴾ فجاء النظم على الترتيب الأصلي إذ لا داعي إلى التقديم إذ كان ذلك الرجل ناصحاً ولم يكن داعياً للإِيمان.
وعلى هذا فهذا الرجل غير مذكور في سفر أعمال الرسل وهو مما امتاز القرآن بالإعلام به. وعن ابن عباس وأصحابه وجد أن اسمه حبيب بن مرة قيل: كان نجاراً وقيل غير ذلك فلما أشرف الرسل على المدينة رآهم ورأى معجزة لهم أو كرامة فآمن. وقيل: كان مُؤمناً من قبل، ولا يبعد أن يكون هذا الرجل الذي وصفه المفسرون بالنِجّار أنه هو (سمعان) الذي يدعى (بالنيجر) المذكور في الإِصحاح الحادي عشر من سفر أعمال الرسل وأن وصف النجار محرف عن (نيجر) فقد جاء في الأسماء التي جرت في كلام المفسرين عن ابن عباس اسم شمعون الصفا أو سمعان. وليس هذا الاسم موجوداً في كتاب أعمال الرسل.
ووصفُ الرجل بالسعي يفيد أنه جاء مسرعاً وأنه بلغه همُّ أهل المدينة برجم الرسل أو تعذيبهم، فأراد أن ينصحهم خشيةً عليهم وعلى الرسل، وهذا ثناء على هذا الرجل يفيد أنه ممن يُقتدَى به في الإِسراع إلى تغيير المنكر.
وجملة ﴿قَالَ يَـاقَوْمِ﴾ بدل اشتمال من جملة "جاء رجل" لأن مجيئه لما كان لهذا الغرض كان مما اشتمل عليه المجيء المذكور.
وافتتاح خطابه إياهم بندائهم بوصف القومية له قُصد منه أن في كلامه الإِيماء إلى أن ما سيخاطبهم به هو محْض نصيحة لأنه يحِب لقومه ما يحِب لنفسه.
والاتباع: الامتثال، استعير له الاتّباع تشبيهاً للآخِذِ برأي غيره بالمتبععِ له في سيره.
والتعريف في ﴿الْمُرْسَلِينَ﴾ للعهد.
٣٦٦


الصفحة التالية
Icon