وجاءت الجملة الأولى من الصلة فعلية منفية لأن المقصود نفي أن يحدث منهم سؤال أجر فضلاً عن دوامه وثباته، وجاءت الجملة الثانية اسمية لإِفادة إثبات اهتدائهم ودوامه بحيث لا يخشى من يتبعهم أن يكون في وقت من الأوقات غير مهتد.
وقوله: ﴿وَمَا لِىَ لا أَعْبُدُ الَّذِى فَطَرَنِى وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ عطف على جملة ﴿اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ قَصد إشعارهم بأنه اتَّبع المرسلين وخلع عبادة الأوثان، وأبرز الكلام في صورة استفهام إنكاري وبصيغة: ما لي لاَ أفعل، التي شأنها أن يوردها المتكلم في ردَ على من أنكر عليه فعلاً، أو ملكه العجب من فعله أو يوردها من يقدر ذلك في قلبه، ففيه إشعار بأنهم كانوا منكرين عليه الدعوة إلى تصديق الرسل الذين جاؤوا بتوحيد الله فإن ذلك يقتضي أنه سبقهم بما أمرهم به.
و﴿مَآ﴾ استفهامية في موضع رفع بالابتداء، والمجرور من قوله: ﴿لِى﴾ خبر عن ﴿مَآ﴾ الاستفهامية.
وجملة ﴿لا أَعْبُدُ﴾ حال من الضمير. والمعنى: وما يكون لي في حال لا أعبد الذي فطرني، أي لا شيء يمنعني من عبادة الذي خلقني، وهذا الخبر مستعمل في التعريض بهم كأنه يقول: وما لي لا أعبد وما لكم لا تعبدون الذي فطركم بقرينة قوله: ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، إذ جعل الإِسناد إلى ضميرهم تقوية لمعنى التعرض، وإنما ابتدأه بإِسناد الخبر إلى نفسه لإِبرازه في معرض المناصحة لنفسه وهو مريد مناصحتهم ليتلَطَّف بهم ويدارئهم فيسمعهم الحق على وجه لا يثير غضبهم ويكون أعون على قبولهم إياه حين يرون أنه لا يريد لهم إلا ما يريد لنفسه.
ثُمّ أتبعه بإبطال عبادة الأصنام فرجع إلى طريقة التعريض بقوله: ﴿ءَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِا ءَالِهَةً﴾ وهي جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً لاستشعار سؤال عن وقوع الانتفاع بشفاعة تلك الآلهة عند الذي فطره، والاستفهام إنكاري، أي أنكر على نفسي أن أتخذ من دونه آلهة، أي لا أتخذ آلهة.
والاتخاذ: افتعال من الأخذ وهو التناول، والتناول يشعر بتحصيل ما لم يكن قبل، فالاتخاذ مشعر بأنه صُنع وذلك من تمام التعريض بالمخاطبين أنهم جعلوا الأوثان آلهة وليست بآلهة لأن الإِله الحق لا يُجعل جعلاً ولكنه مستحق الإلهية بالذات.
٣٦٨


الصفحة التالية
Icon