" صفحة رقم ١٠٨ "
الإِيمان بتوحيد الإِله يفضي إلى ترك آلهتهم ليسدّوا على المخاطبين منافذ التردد أن يتطرق منها إلى خواطرهم.
واللام في ) لِشَاعِرٍ ( لام العلة والأجْل، أي لأجْل شاعر، أي لأجْل دعوته.
وقولهم :( شاعر مجنون ) قول موزع، أي يقول بعضهم : هو شاعر، وبعضهم : هو مجنون، أو يقولون مرة : شاعر، ومرة : مجنون، كما في الآية الأخرى ) كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون ( ( الذاريات : ٥٢ ).
اعتراض في آخر الاعتراض قُصدت منه المبادرة بتنزيه النبي ( ﷺ ) عما قالوه.
و ) بل ( إضراب إبطال لقولهم :( لِشاعر مجنون ( ( الصافات : ٣٦ ) وبإثبات صفته الحقِّ لبيان حقيقة ما جاء به. وفي وصف ما جاء به أنه الحق ما يكفي لنفي أن يكون شاعراً ومجنوناً، فإن المشركين ما أرادوا بوصفه بشاعر أو مجنون إلا التنفير من اتِّباعه فمثلوه بالشاعر من قبيلة يهجو أعداء قبيلته، أو بالمجنون يقول ما لا يقوله عقلاء قومه، فكان قوله تعالى :( بل جاءَ بالحقِ ( مثبتاً لكون الرسول على غير ما وصفوه إثباتاً بالبينة.
وأتبع ذلك بتذكيرهم بأنه ما جاء إلا بمثل ما جاءت به الرسل من قَبله، فكان الإِنصاف أن يلحقوه بالفريق الذي شابههم دون فريق الشعراء أو المجانين.
وتصديق المرسلين يجمع ما جاء به الرسول محمد ( ﷺ ) إجمالاً وتفصيلاً، لأن ما جاء به لا يعدو أن يكون تقريراً لما جاءت به الشرائع السالفة فهو تصديق له ومصادقة عليه، أو أن يكون نسخاً لما جاءت به بعض الشرائع السالفة، والإِنباءُ بنسخه وانتهاءِ العمل به تصديق للرسل الذين جاءوا به في حين مجيئهم به، فكل هذا مما شمله معنى التصديق، وأول ذلك هو إثبات الوحدانية بالربوبية لله تعالى. فالمعنى : أن ما دعاكم إليه من التوحيد قد دعت إليه الرسل من قبله، وهذا احتجاج بالنقل عقب الاحتجاج بأدلة النظر.


الصفحة التالية
Icon