" صفحة رقم ١٣٤ "
العالمين ( في محلّ مفعول ) تركنا (، أي تركنا عليه هذه الكلمة وهي ) سلامٌ على نوححٍ في العالَمِينَ ( وهو من الكلام الذي قصدت حكايته كما تقول قرأت ) سورة أنزلناها وفرضناها ( ( النور : ١ )، أي جعلنا الناس يسلمون عليه في جميع الأجيال، فما ذكروه إلا قالوا : عليه السلام. ومثل ذلك قالوا في نظائرها في هذه الآيات المتعاقبة.
وزيد في سَلام نوح في هذه السورة وصْفُه بأنه في العالمين دون السلام على غيره في قصة إبراهيم وموسى وهارون وإلياس للإِشارة إلى أن التنويه بنوح كان سائراً في جميع الأمم لأنهم كلهم ينتمون إليه ويذكرونه ذكر صدق كما قدمناه آنفاً.
وجملة ) إنَّا كذلك نجزي المُحسنين ( تذييل لما سبق من كرامة الله نوحاً. و ( إنّ ) تفيد تعليلاً لمجازاة الله نوحاً بما عده من النعم بأن ذلك لأنه كان محسناً، أي متخلقاً بالإِحسان وهو الإِيمان الخالص المفسّر في قول النبي ( ﷺ ) ( الإِحسانُ أن تعبدَ الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك )، وأي دليل على إحسانه أجلى من مصابرته في الدعوة إلى التوحيد والتقوى وما ناله من الأذى من قومه طول مدة دعوته.
والمعنى : إنا مثل ذلك الجزاء نجزي المحسنين. وفي هذا تنويه بنوح عليه السلام بأن جزاءه كان هو المثال والإِمامَ لجزاء المحسنين على مراتب إحسانهم وتفاوت تقَارُبِها من إحسان نوح عليه السلام وقوته في تبليغ الدعوة. فهو أول من أوذي في الله فسَنَّ الجزاءَ لمن أوذي في الله، وكان على قَالَب جزائه، فلعله أن يكون له كفل من كل جزاء يُجزاه أحد على صبره إذا أوذي في الله، فثبت لنوح بهذا وصف الإِحسان، وهو النعمة السابعة. وثبت له أنه مَثَل للمحسنين في جزائهم على إحسانهم، وهي النعمة الثامنة.
وجملة ) إنَّه من عِبادنَا المُؤمنين ( تعليل لاستحقاقه المجازاة الموصوفة بقوله :( كذالِكَ نَجزي المحسنين ( فاختلف معلول هذه العلة ومعلول العلة التي قبلها.
وأفاد وصفه ب ) إنَّه من عِبَادِنَا ( أنه ممن استحق هذا الوصف، وقد علمت غير مرة أن وصف ( عبد ) إذا أضيف إلى ضمير الجلالة أشعر بالتقريب ورفع