" صفحة رقم ١٤٢ "
والمعنى : ففكر في حيلة يخلو له بها بدّ أصنامهم فقال :( إني سقيمٌ ( ليلزم مكانه ويفارقوه فلا يريهم بقاؤه حول بدّهم ثم يتمكن من إبطال معبوداتهم بالفعل. والوجه : أن التعقيب الذي أفادته الفاء من قوله :( فنظَرَ ( تعقيب عرفي، أي لكل شيء نحسبه فيفيد كلاماً مطوياً يشير إلى قصة إبراهيم التي قال فيها :( إني سقيم ( والتي تفرع عليها قوله تعالى :( فراغ إلى أهله ( ( الذاريات : ٢٦ ) الخ.
وتقييد النظرة بصيغة المرة في قوله :( نظرةً ( إيماء إلى أن الله ألهمه المكيدة وأرشده إلى الحجة كما قال تعالى :( ولقد آتينا إبراهيم رشده ( ( الأنبياء : ٥١ ).
وقوله :( إني سقيمٌ ( عذر انتحله ليتركوه فيخلو ببيت الأصنام ليخلص إليها عن كثب فلا يجد من يدفعه عن الإيقاع بها. وليس في القرآن ولا في السنة بيان لهذا لأنه غني عن البيان. وذكر المفسرون أنه اعتذر عن خروجه مع قومه من المدينة في يوم عيد يخرجون فيه فزعم أنه مريض لا يستطيع الخروج فافترض إبراهيم خروجهم ليخلو ببدّ الأصنام وهو الملائم لقوله :( فتولوا عنه مُدبرينَ.
والسقيم : صفة مشبهة وهو المريض كما تقدم في قوله : بقلبٍ سليمٍ ( ( الصافات : ٨٤ ). يقال : سَقِم بوزن مرِض، ومصدره السَّقم بالتحريك، فيقال : سقام وسقم بوزن قُفْل.
والتولي : الإِعراض والمفارقة.
لم ينطق إبراهيم فإن النجوم دلته على أنه سقيم ولكنه لما جعل قوله :( إني سقيمٌ ( مقارناً لنظره في النجوم أوهم قومه أنه عرف ذلك من دلالة النجوم حسب أوهامهم.
و ) مُدبرينَ ( حال، أي ولَّوه أدبارهم، أي : ظهورهم. والمعنى : ذهبوا وخلفوه وراء ظهورهم بحيث لا ينظرونه. وقد قيل : إن ) مُدْبرينَ ( حال مؤكدة وهو من التوكيد الملازم لفعل التولي غالباً لدفع توهّم أنه تولّي مخالفة وكراهة دون انتقال. وما وقع في التفاسير في معنى نظره في النجوم وفي تعيين سقمه المزعوم كلام لا يمتع بين موازين المفهوم، وليس في الآية ما يدل على أن للنجوم دلالة على حدوث شيء من حوادث الأمم ولا الأشخاص ومن يزعم ذلك فقد ضلّ


الصفحة التالية
Icon