" صفحة رقم ١٤٤ "
عليها إذ زعموا لها الإِلاهية ليزداد قوة عزم على كسرها.
فليس خطاب إبراهيم للأصنام مستعملاً في حقيقته ولكنه مستعمل في لازمه وهو تذكرُّ كذب الذين ألَّهوها والذين سَدَنوا لها وزعموا أنها تأكل الطعام الذي يضعونه بين يديها ويزعمون أنها تكلمهم وتخبرهم.
ولذلك عقب هذا الخطاب بقوله :( فراغَ عليهم ضرباً باليمينِ. ( وقد استعمل فعل ( راغ ) هنا مضمّناً معنى ( أقبل ) من جهة مائلة عن الأصنام لأنه كان مستقبلها ثم أخذ يضربها ذات اليمين وذات الشمال نظير قوله تعالى :( فيميلون عليكم ( ( النساء : ١٠٢ ).
وانتصب ) ضَرْباً باليمين ( على الحال من ضمير ) فراغَ ( أي ضارباً. وتقييد الضرب باليمين لتأكيد ) ضَرْباً ( أي ضرباً قوياً، ونظيره قوله تعالى :( لأخذنا منه باليمين ( ( الحاقة : ٤٥ ) وقول الشماخ :
إذا ما رايةٌ رُفعت لمجد
تَلقَّاها عَرابَةُ باليمين
فلما علموا بما فعل إبراهيم بأصنامهم أرسلوا إليه من يُحضره في ملئِهم حول أصنامهم كما هو مفصّل في سورة الأنبياء وأجمل هنا.
فالتعقيب في قوله :( فأقبلوا إليه ( تعقيب نسبي وجاءه المرسلون إليه مسرعين ) يزفون ( أي يعْدون، والزَّف : الإِسراع في الجري، ومنه زفيف النعامة وزفها وهو عَدْوها الأول حين تنطلق.
وقرأ الجمهور ) يَزِفُّونَ ( بفتح الياء وكسر الزاي على أنه مضارع زفّ. وقرأه حمزة وخلف بضم الياء وكسر الزاي، على أنه مضارع أزفّ، أي شرعوا في الزفيف، فالهمزة ليست للتعدية بل للدخول في الفعل، مثل قولهم : أَدنف، أي صار في حال الدنف، وهو راجع إلى كون الهمزة للصيرورة.
وجملة ) قال أتعبدون ما تَنْحِتون ( استئناف بيانيّ لأن إقبال القوم إلى إبراهيم بحالة تنذر بحنقهم وإرادة البطش به يثير في نفس السامع تساؤلاً عن حال إبراهيم في تلقّيه بأولئك وهو فاقد للنصير معرَّض للنكال فيكون ) قال أتعبدون ما