" صفحة رقم ١٤٧ "
وإن الحق مقطعه ثلاث
يَمين أو نِفار أو جَلاء
ولذلك لما أُمر رسول الله ( ﷺ ) بالهجرة من مكة لم يتعرض له قريش في بادىء الأمر ثم خافوا أن تنتشر دعوته في الخارج فراموا اللحاق به فحبسهم الله عنه.
ويحتمل أن يكون قال ذلك في أهله الذين يريد أن يخرج بهم معه فمعنى ) ذاهبٌ إلى ربي ( مهاجر إلى حيث أعبد ربّي وحده ولا أعبد آلهة غيره ولا أفتَن في عبادته كما فتنت في بلدهم.
ومراد الله أن يفضي إلى بلوغ مكة ليقيم هنالك أول مسجد لإِعلان توحيد الله فسلك به المسالك التي سلكها حتى بلغ به مكة وأودع بها أهلاً ونسلاً، وأقام بها قبيلة دينُها التوحيد، وبنى لله معبداً، وجعل نسله حفظة بيت الله، ولعلّ الله أطلعه على تلك الغاية بالوحي أو سترها عنه حتى وجد نفسه عندها فلذلك أنطقه بأن ذهابه إلى الله نطقاً عن علم أو عن توفيق.
وجملة ) سَيَهْدِينِ ( يجوز أن تكون حالاً وهو الأظهر لأنه أراد إعلام قومه بأنه واثق بربه وأنه لا تردد له في مفارقتهم، ويجوز أن تكون استئنافاً ؛ فعلى الأول هي حال من اسم الجلالة، ولا يمنع من جعل الجملة حالاً اقترانها بحرف الاستقبال فإن حرف الاستقبال يدل على أنها حال مقدّرة، والتقدير : أني ذاهب إلى ربّي مقدِّراً، كما لم يمتنع مجيء الحال معمولاً لعامل مستقبل كما في قوله تعالى :( سيدخلون جهنم داخرين ( ( غافر : ٦٠ ) وقوله تعالى :( إن معي ربي سيهدين ( ( الشعراء : ٦٢ ) وقول سعد بن ناشب :
سأغسل عني العار بالسيف جالباً
علي قضاءُ الله ما كان جالباً
وامتناع اقتران جملة الحال بعلامة الاستقبال في الإِثبات أو النفي مذهب بصري، وهو ناظر إلى غالب أحوال استعمال الحال، وجوازه مذهب كوفي كما ذكره ابن الأنباري في ( الإنصاف )، والحق في جانب نحاة الكوفة. وقد تلقّف المذهب البصري معظمُ علماء العربية وتحيّر المحققون منهم في تأييده فلجأوا إلى أن علته استبشاع الجمع بين كون الكلمة حالاً وبين اقترانها بعلامة الاستقبال. ونُبينُه بأن الحال ما سميت حالاً إلا لأن المراد منها ثبوت وصف في الحال وهذا ينافي اقترانها