" صفحة رقم ١٧٣ "
البحر حتى اضطر أهل السفينة إلى تخفيف عدد ركابها فاستهموا على من يطرحونه من سفينتهم في البحر فكان يونس ممن خرج سهم إلقائه في البحر فالْتَقَمه حوت عظيم وجرت قصته المذكورة في سورة الأنبياء، فلما كان هروبه من كلفة الرسالة مقارناً لإِرساله وُقّت بكونه من المرسلين.
و ) أبَقَ ( مصْدره إِباق بكسر الهمزة وتخفيف الباء وهو فرار العبد مِن مالكه. وفعله كضرب وسمع. والمراد هنا : أن يونس هرب من البلد الذي أوحي إليه فيه قاصداً بلداً آخر تخلصاً من إبلاغ رسالة الله إلى أهل ( نِينْوَى ) ولعله خاف بأسَهم واتّهم صبرَ نفسه على أذاهم المتوَّقعَ لأنهم كانوا من بني إسرائيل في حماية الأشوريين. ففِعل ) أبَق ( هنا استعارة تمثيلية، شبّهت حالة خروجه من البلد الذي كلّفه ربه فيه بالرسالة تباعداً من كلفة ربه بإباق العبد من سيده الذي كلّفه عملاً.
و ) الفُلك المشحون ( : المملوء بالراكبين، وتقدم معناه في قصة نوح.
وساهم : قَارع. وأصله مشتق من اسم السَّهم لأنهم كانوا يقترعون بالسهام وهي أعواد النبال وتُسمّى الأزلام.
وتفريع ) فَسَاهَمَ ( يؤذن بجمل محذوفة تقديرها : فهال البحر وخاف الراكبون الغرق فساهم. وهذا نظير التفريع في قوله تعالى :( أن اضرب بعصاك البحر فانفلق ( ( الشعراء : ٦٣ ) والمذكور في كتاب ( يونان ) من كتب اليهود : أن بعضهم قال لبعض : هلمّ نُلْققِ قرعة لنعرف مَن هو سبب هذه البلية فألقَوا قرعة فوقعت على يونس. وعن ابن عباس ووهب بن منبه أن القرعة خرجت ثلاث مرات على يونس.
وسنُة الاقتراع في أسفار البحر كانت متَّبعة عند الأقدمين إذا ثقُلت السفينة بوفرة الراكبين أو كثرة المتاع. وفيها قصة الحيلة التي ذكرها الصفدي في ( شرح الطغرائية ) : أن بعض الأصحاب يدعي أن مركباً فيه مسلمون وكفار