" صفحة رقم ١٧٥ "
على أنه لا يجري في مثله استهام. فلو صح أن ذلك كان شرعاً لمن قبلنا فقد نسخه إجماع علماء أمتنا.
قال ابن العربي : الاقتراع على إلقاء الآدمي في البحر لا يجوز فكيف المسلم فإنه لا يجوز فيمن كان عاصياً أن يقتل ولا أن يرمَى به في النار والبحر. وإنما تجري عليه الحدود والتعزيرُ على مقدار جنايته. وظَنّ بعض الناس أن البحر إذا هال على القوم فاضطروا إلى تخفيف السفينة أن القرعة تضرب عليهم فيطرح بعضهم تخفيفاً، وهذا فاسد فلا تُخفَّف برَمْي بعض الرجال وإنما ذلك في الأموال وإنما يصبِرون على قضاء الله. وكانت في شريعة من قبلنا القرعة جائزة في كل شيء على العموم. وجاءت القرعة في شرعنا على الخصوص في ثلاثة مواطن :
الأول :} كان النبي ( ﷺ ) إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه.
الثاني : أن النبي ( ﷺ ) رُفع إليه أن رجلاً أعتق في مَرض موته ستة أعبد لا مال له غيرهم فأقرع بين اثنين وهما معادل الثلث وأرقّ أربعة.
الثالث : أن رجلين اختصما إليه في مواريث درست، فقال : اذهبا وتوخيا الحق واستَهِما وليُحَلل كل واحد منكما صاحبَه.
واختلف علماؤنا في القرعة بين الزوجات عند الغزو على قولين : الصحيح منهما الاقتراعُ، وبه قال أكثر فقهاء الأمصار، وذلك لأن السفر بجميعهن لا يمكن واختيار واحدة منهن إيثار فلم يبق إلا القرعة.
قال القرافي في ( الفرق ) : متى تعينت المصلحة أو الحق في جهة لا يجوز الاقتراع لأن في القرعة ضياع الحق ومتى تساوت الحقوق أو المصالح فهذا موضع القرعة دفعاً للضغائن فهي مشروعة بين الخُلَفاء إذا استوت فيهم الأهلية للولاية والأيمةِ والمؤذنين إذ استووا والتقدم للصف الأول عند الازدحام وتغسيل الأموات عند تزاحم الأولياء وتساويهم وبين الحاضنات والزوجات في السفر


الصفحة التالية
Icon