" صفحة رقم ١٨٥ "
على طريقة الحذف والإِيصال، والتقدير : بكتاب إليكم، لأن ما فيه مادة الكتابة لا يتعدّى إلى المكتوب إليه بنفسه بل بواسطة حرف الجر وهو ( إلى ).
فلا جرم قد اتضح إفحامهم بهذه المجادلة الجارية على القوانين العقلية ولذلك صاروا كالمعترفين بأن لا دليل لهم على ما زعموه فانتقل السائل المستفتي من مقام الاعتراض في المناظرة إلى انقلابه مستدلاً باستنتاج من إفحامهم وذلك هو قوله :( ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد اللَّه وإنهم لكاذبون ( ( الصافات : ١٥١، ١٥٢ ) الواقععِ معترضاً بين الترديد في الدليل.
وأما قوله :( أصطفى البنات على البنين ( فذلك بمنزلة التسليم في أثناء المناظرة كما علمت عند الكلام عليه، وهذا يسمى المعارضة. وإنما أقحم في أثناء الاستدلال عليهم ولم يجعل مع حكاية دعواهم ليكون آخرُ الجدل معهم هو الدليلَ الذي يجرف جميع ما بنوه وهو قوله :( أم لكم سلطانٌ مبين فأتوا بكتابكم إن كنتم صادِقينَ ). فهذا من بديع النسيج الجامع بين أسلوب المناظرة وأسلوب الموعظة وأسلوب التعليم.
وقرأ الجمهور ) تَذَكَّرُونَ ( بتشديد الذال على أن أصله تتذكرون فأدغمت إحدى التاءين في الذال بعد قلبها ذالاً لقرب مخرجيهما. وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف بتخفيف الذال على أن إحدى التاءين حذفت تخفيفاً.
عطف على جملة ) ليقُولونَ ( ( الصافات : ١٥١ ) أي شفَّعوا قولهم :( ولَدَ الله ( ( الصافات : ١٥٢ )، فجعلوا بين الله وبين الجنّ نسباً بتلك الولادة، أي بينوا كيف حصلت تلك الولادة بأن جعلوها بين الله تعالى وبين الجنة نسباً.


الصفحة التالية
Icon