" صفحة رقم ٢١٤ "
تجويز أصل الرسالة عن الله وإنما مرادهم استقصاء الاستبعاد فإنهم أنكروا أصل الرسالة كما اقتضاه قوله تعالى :( وعَجِبوا أن جاءَهم مُنذرٌ منهم ( ( ص : ٤ ) وغيره من الآيات، وهذا الأصل الثاني من أصول كفرهم التي تقدم ذكرها عند قوله تعالى :( أجعل الآلهة إلاهاً واحداً ( ( ص : ٥ ) وهو أصل إنكار بعثه رسول منهم.
يجوز أن يكون هذا جواباً عن قولهم :( أءُنزِلَ عليه الذكر من بيننا ( أي ليس قصدهم الطعن في اختصاصك بالرسالة ولكنهم شاكُّون في أصل إنزاله، فتكون ) بل ( إضراباً إبطالياً تكذيباً لما يظهر من إنكارهم إنزال الذكر عليه من بينهم على ما تقدم، أي إنما قصدهم الشك في أن الله يوحي إلى أحد بالرسالة، فيكون معنى ) في شَكّ من ذِكري ( شكّاً من وقوعه. والشك يطلق على اليقين مجازاً مرسلاً بعلاقة الإِطلاق والتقييد فيكون كمعنى قوله تعالى :( فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات اللَّه يجحدون ( ( الأنعام : ٣٣ ). ويجوز أن يكون انتقالاً من خبر عنهم إلى خبر آخر فيكون استئنافاً وتكون ) بل ( للإِضراب الانتقالي، والمعنى : وهم في شك من ذكري، أي في شك من كنه القرآن، فمرة يقولون : افتراه، ومرة يقولون : شعر، ومرة : سحر، ومرة : أساطير الأولين، ومرة : قول كاهن. فالمراد بالشك حقيقتهُ أي التردد في العلم. وإضافة الذكر إلى ضمير المتكلم وهو الله تعالى إضافة تشريف ولتحقيق كونه من عند الله. والذكر على هذا الوجه هو عين المراد من قوله :( أءُنزل عليه الذكر ( وإنما وقع التعبير عنه بالظاهر دون الضمير توصلاً إلى التنويه به بأنه من عند الله.
و ) في ( للظرفية المجازية، جُعلت ملابسة الشك إياهم بمنزلة الظرف المحيط بمحويه في أنه لا يخلو منه جانب من جوانبه.
و ) مِن ( في قوله :( مِن ذِكري ( ابتدائية لكون الشك صفة لهم، أي نشأ لهم


الصفحة التالية
Icon