" صفحة رقم ٢٣٤ "
السلام لمّا كان مَلِكاً وكان اللذان حضرا عنده خصمين كان طلب الحكم بينهما مفرعاً على ذلك.
والباء في ) بالحق ( للملابسة، وهي متعلقة ب ) احكم. ( وهذا مجرد طلب منهما للحق كقول الرجل للنبيء ( ﷺ ) الذي افتدى ابنَه ممن زنى بامرأته : فاحكم بيننا بكتاب اللَّه.
والنهي في ) لا تشطط ( مستعمل في التذكير والإِرشاد.
و ) تشطط ( : مضارع أشط، يقال : أشط عليه، إذا جَار عليه، وهو مشتق من الشطط وهو مجاوزة الحد والقدر المتعارف.
ومخاطبة الخصم داود بهذا خارجة مخرج الحرص على إظهار الحق وهو في معنى الذكرى بالواجب فلذلك لا يعدّ مثلها جفاء للحاكم والقاضِي، وهو من قبيل : اتَّق الله في أمري. وصدوره قبل الحكم أقرب إلى معنى التذكير وأبعد عن الجفاء، فإن وقع بعد الحكم كان أقرب إلى الجفاء كالذي قال للنبيء ( ﷺ ) في قسمة قسمها ( اعْدِل، فقال له الرسول : ويلك فمن يعدل إن لم أعدل ).
وقد قال علماؤنا في قول الخصم للقاضي :( اتق الله في أمري ) إنه لا يعد جفاء للقاضي ولا يجوز للقاضي أن يعاقبه عليه كما يعاقب من أساء إليه. وأفتى مالك بسجن فتى، فقال أبوه لمالك : اتق الله يا مالك، فوالله ما خُلقت النار باطلاً، فقال مالك : من الباطل ما فعله ابنك. فهذا فيه زيادة بالتعريض بقوله فوالله ما خلقت النار باطلاً. وقولهما :( واهدنا إلى سواء الصراطِ ( يصرف عن إرادة الجفاء من قولهما :( ولا تُشْطِط ( لأنهما عرفا أنه لا يقول إلا حقاً وأنهما تطلبا منه الهُدى.
والهدى : هنا مستعار للبيان وإيضاح الصواب. و ) سواء الصراط ( : مستعار للحق الذي لا يشوبه باطل لأن الصراط الطريق الواسع، والسواء منه هو الذي لا التواء فيه ولا شُعب تتشعب منه فهو أسرع إيصالاً إلى المقصود باستوائه وأبعد عن الالتباس بسلامته من التشعب.


الصفحة التالية
Icon