" صفحة رقم ٢٣٦ "
واجتلاب النفع للنفس بدون اكتراث بنفع الآخر. وهذا ليس من شأن التحابّ بين الأخوين والإِنصاف منهما فهو ظلم وما كان من الحق أن يسأله ذلك أعطاه أو منعه، ولأنه تطاول عليه في الخطاب ولامه على عدم سماح نفسه بالنعجة، وهذا ظلم أيضاً.
والإِضافة في قوله :( بسؤال نعجتِكَ ( للتعريف، أي هذا السؤال الخاص المتعلق بنعجة معروفة، أي هذا السؤال بحذافره مشتمل على ظلم، وإضافة سؤال من إضافة المصدر إلى مفعوله. وتعليق ) إلى نعاجه ( ب ( سؤال ) تعليق على وجه تضمين ( سؤال ) معنى الضم، كأنه قيل : بطلب ضم نعجتك إلى نعاجه.
فهذا جواب قولهما :( فاحكم بيننا بالحق ولا تُشطط ( ثم أعقبه بجواب قولهما :( واهدنا إلى سواءِ الصراط ( إذ قال :( وإنَّ كثيراً من الخُلطاءِ ليبغي بعضهم على بعضضٍ إلاَّ الذين ءَامنوا وعَمِلوا الصَّالحاتِ ( المفيد أن بَغْي أحد المتعاشرين على عشيره متفشَ بين الناس غير الصالحين من المؤمنين، وهو كناية عن أمرهما بأن يكونا من المؤمنين الصالحين وأن ما فعله أحدهما ليس من شأن الصالحين.
وذِكر غالب أحوال الخلطاء أراد به الموعظة لهما بعد القضاء بينهما على عادة أهل الخير من انتهاز فرص الهداية فأراد داود عليه السلام أن يرغبهما في إيثار عادة الخلطاء الصالحين وأن يكرّه إليهما الظلم والاعتداء. ويستفاد من المقام أنه يَأسف لحالهما، وأنه أراد تسلية المظلوم عما جرى عليه من خليطه، وأن له أسوة في أكثر الخلطاء.
وفي تذييل كلامه بقوله :( وقليلٌ ما هُم ( حثّ لهما أن يكونا من الصالحين لما هو متقرر في النفوس من نفاسة كل شيء قليل، قال تعالى :( قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرةُ الخبيث ( ( المائدة : ١٠٠ ). والسبب في ذلك من جانب الحكمة أن الدواعي إلى لذات الدنيا كثيرة والمشي مع الهوى محبوب ومجاهدة النفس عزيزة الوقوع، فالإِنسان محفوف بجواذب السيئات، وأمّا دواعي الحق والكمال فهو الدين والحكمة، وفي أسباب الكمال إعراض عن محركات


الصفحة التالية
Icon