" صفحة رقم ٣١٦ "
وهذا إيماء إلى أن إنزال الكتاب عليه نعمة كبرى تقتضي أن يقابلها الرسول ( ﷺ ) بالشكر بإفراده بالعبادة، وإيماء إلى أن إشراك المشركين بالله غيره في العبادة كفر لنعَمِه التي أنعم بها، فإن الشكر صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه فيما خلق لأجله، وفي العبادة تحقيق هذا المعنى قال تعالى :( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ( ( الذاريات : ٥٦ ).
فالمقصود من الأمر بالعبادة التوطئة إلى تقييد العبادة بحالة الإِخلاص من قوله ) مُخلِصاً له الدينَ (، فالمأمور به عبادة خاصة، ولذلك لم يكن الأمر بالعبادة مستعملاً في معنى الأمر بالدوام عليها. ولذلك أيضاً لم يُؤت في هذا التركيب بصيغة قصر خلاف قوله :( بل الله فاعبد ( ( الزمر : ٦٦ ) لأن المقصود هنا زيادة التصريح بالإِخلاص والرسول ( ﷺ ) منزه عن أن يعبد غير الله. وقد توهم ابن الحاجب من عدم تقديم المعمول هنا أن تقديم المفعول في قوله تعالى :( بل الله فاعبد في آخر هذه السورة لا يفيد القصر وهي زلّة عالم.
والإِخلاص : الإِمْحاض وعدم الشوب بمغاير، وهو يشمل الإِفراد. وسميت السورة التي فيها توحيد الله سورة الإِخلاص، أي إفراد الله بالإِلاهية. وأوثر الإِخلاص هنا لإِفادة التوحيد وأخصَّ منه وهو أن تكون عبادة النبي ربه غير مشوبة بحظ دنيوي كما قال تعالى : قُلْ مَا أسْئَلُكُمْ عَلَيهِ مِن أجْرٍ ( ( ص : ٨٦ ).
والدين : المعاملة. والمراد به هنا معاملة المخلوق ربّه وهي عبادته. فالمعنى : مخلصاً له العبادة غير خالط بعبادته عبادة غيره. وانتصب ) مُخلصاً ( على الحال من الضمير المستتر في ) أعبد.
ولما أفاد قوله : مُخلصاً له الدين ( معنى إفراده بالعبادة لم يكن هنا مقتضضٍ لتقديم مفعول ) أعبد الله ( على عامله لأن الاختصاص قد استفيد من الحال في قوله :( مخلصاً له الدين (، وبذلك يبطل استناد الشيخ ابن الحاجب لهذه الآية في توجيه رَأيه بإنكار إفادة تقديم المفعول على فعله التخصيصَ، وتضعيفِه لاستدلال أيمة المعاني بقوله تعالى :( بل الله فاعبد آخر السورة بأنه تقديم لمجرد