" صفحة رقم ٣٢٠ "
أن يدعو له المسلمون ويذكروه بخير. وفي هذا المعنى قال عبد الله بن رَواحة رضي الله عنه حين خروجه إلى غزوة مؤتة ودعَا له المسلمون حين ودّعوه ولمن معه بأن يردّهم الله سالمين :
لكنني أسألُ الرحمن مغفرة
وضَربَةً ذاتَ فرععٍ يَقذف الزبدا
أو طعنة من يدي حرّان مجهزةً
بحَربة تنفُذ الأحشاءَ والكبدا
حتى يقولوا إذا مروا على حَدثي
أرشَدَك الله من غَاز وقد رَشِدا
وقد علمت من تقييدنا الحظ بأنه حظ دنيوي أن رجاء الثواب واتقاء العقاب هو داخل في معنى الإِخلاص لأنه راجع إلى التقرب لرضى الله تعالى. وينبغي أن تعلم أن فضيلة الإِخلاص في العبادة هي قضية أخصّ من قضية صحة العبادة وإجزائها في ذاتها إذ قد تعرُو العبادة عن فضيلة الإِخلاص وهي مع ذلك صحيحة مجزئة، فللإخلاص أثر في تحصيل ثواب العمل وزيادته ولا علاقة له بصحة العمل. وفي ( مفاتيح الغيب ) : وأما الإِخلاص فهو أن يكون الداعي إلى الإِتيان بالفعل أو الترك مجرد الانقياد فإن حصل معه داع آخر ؛ فإمّا أن يكون جانب الداعي إلى الانقياد راجحاً على جانب الداعي المغاير، أو معادِلاً له، أو مرجوحاً. وأجمعوا على أن المُعادل والمرجوح ساقط، وأمّا إذا كان الداعي إلى الطاعة راجحاً على جانب الداعي الآخر فقد اختلفوا في أنه هل يفيد أو لا ا هـ.
وذكر أبو إسحاق الشاطبي : أن الغزالي أي في كتاب النية من الربع الرابع من ( الإِحياء ) يذهب إلى أن ما كان فيه داعي غير الطاعة مرجوحاً أنه ينافي الإِخلاص. وعلامته أن تصير الطاعة أخف على العبد بسبب ما فيها من غرض، وأن أبا بكر بن العربي أي في كتاب ( سِراج المريدين ) كما نقله في ( المعيار ) يذهب إلى أن ذلك لا يقدح في الإِخلاص.
قال الشاطبي : وكان مجال النظر في المسألة يلتفت إلى انفكاك القصدين أو عدم انفكاكهما، فالغزالي يلتفت إلى مجرد وجود اجتماع القصدين سواء كان القصدان مما يصح انفكاكهما أو لا، وابن العربي يلتفت إلى وجه الانفكاك ).


الصفحة التالية
Icon