" صفحة رقم ٣٢٣ "
يجوز أن يكون خبراً ثانياً عن قوله :( والذين اتخذوا من دونه أولياء ( وهو كناية عن كونهم كاذبين في قولهم :( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله ( وعن كونهم كفّارين بسبب ذلك، وكناية عن كونهم ضالّين.
ويجوز أن يكون استئنافاً بيانياً لأن قوله :( إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون ( يثير في نفوس السامعين سؤالاً عن مصير حالهم في الدنيا من جرَّاء اتخاذهم أولياءَ من دونه، فيجاب بأن الله لا يهدي مَن هو كاذب كفار، أي يذرهم في ضلالهم ويمهلهم إلى يوم الجزاء بعد أن بَيّن لهم الدين فخالفوه.
والمراد ب ) مَن هو كاذبٌ كفَّارٌ ( الذين اتخذوا من دونه أولياء، أي المشركين، فكان مقتضى الظاهر الإِتيان بضميرهم، وعدل عنه إلى الإضمار لما في الصلة من وصفهم بالكذب وقوة الكفر.
وهداية الله المنفية عنهم هي : أن يتداركهم الله بلطفه بخلق الهداية في نفوسهم، فالهداية المنفية هي الهداية التكوينية لا الهداية بمعنى الإِرشاد والتبليغ وهو ظاهر، فالمراد نفي عناية الله بهم، أي العناية التي بها تيسير الهداية عليهم حتى يهتدوا، أي لا يوفّقهم الله بل يتركهم على رأيهم غضباً عليهم. والتعبير عنهم بطريق الموصولية لما في الموصول من الصلاحية لإِفادة الإِيماء إلى علة الفعل ليفيد أن سبب حرمانهم التوفيق هو كذبهم وشدة كفرهم.
فإن الله إذا أرسل رسوله إلى الناس فبلغهم كانوا عندما يبلغهم الرسول رسالةَ ربه بمستوى متحِد عند الله بما هم عبيد مربوبون ثم يكونون أصنافاً في تلقّيهم الدعوة ؛ فمنهم طالب هداية بقبول ما فهمه ويسأل عما جهله، ويتدبر وينظر ويسأل، فهذا بمحل الرضى من ربه فهو يعينه ويشرح صدره للخير حتى يشرق باطنه بنور الإِيمان كما قال تعالى :( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً ( ( الأنعام : ١٢٥ ) وقال :( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزيّنه في قلوبكم وكرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلاً من الله ونعمة والله عليم حكيم ( ( الحجرات : ٧، ٨ ).


الصفحة التالية
Icon