" صفحة رقم ٣٢٥ "
الأصنام والملائكة بنات الله فخص الإعتقاد بأهل مكة، والظاهر أن ذلك لم يقولوه في غير اللات والعزّى ومناةَ، لأن أسماءها مؤنثة، وإلاّ فإن في أسماء كثير من أسماء أصنامهم ما هو مذكّر نحو ذي الخَلَصة، وذكر في ( الكشاف ) عند ذكر البسملة أنهم كانوا يقولون عند الشروع في أعمالهم : باسم اللات، باسم العزّى.
فالمقصود من هذه الآية إبطال إلاهية أصنام المشركين على طريقة المذهب الكلامي. واعلم أن هذه الآية والآيات بعدها اشتملت على حجج انفراد الله.
ومعنى الآية : لو كان الله متخذاً ولداً لاختار من مخلوقاته ما يشاء اختياره، أي لاختار ما هو أجدر بالاختيار ولا يختار لبنوته حجارة كما زعمتم لأن شأن الاختيار أن يتعلق بالأحسن من الأشياء المختار منها فبطل أن تكون اللاتُ والعُزّى ومناةُ بناتتٍ لله تعالى، وإذا بطل ذلك عنها بطل عن سائر الأصنام بحكم المساواة أو الأحرى، فتكون ) لو هنا هي الملقبة لو الصهيبية، أي التي شرطها مفروض فرضاً على أقصى احتمال وهي التي يُمثلون لها بالمثل المشهور : نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه، فكان هذا إبطالاً لما تضمنه قوله : والذين اتَّخذوا من دونه إولياء ما نعبدهم إلى قوله : كَفَّار ( ( الزمر : ٣ ). وليس هو إبطالاً لمقالة بعض العرب : إن الملائكة بنات الله، لأن ذلك لم يكن من عقيدة المشركين بمكة الذين وجه الخطاب إليهم، ولا إبطالاً لبنوة المسيح عند النصارى لأن ذلك غير معتقَد عند المشركين المخاطبين ولا شعور لهم به، وليس المقصود محاجّة النصارى ولم يتعرض القرآن المكي إلى محاجّة النصارى.
واعلم أنه بني الدليل على قاعدة استحالة الولد على الله تعالى إذ بُني القياس الشرطي على فرض اتخاذ الولد لا على فرض التولّد، فاقتضى أن المراد باتخاذ الولد التبنّي لأن إبطال التبنّي بهذا الاستدلال يستلزم إبطال تولد الابن بالأولى.
وعزز المقصود من ذكر فعل الاتخاذ بتعقيبه بفعل الاصطفاء على طريقة مجاراة الخصم المخطىء ليغير في مهواة خطئه، أي لو كان لأحد من الله نسبة بنوة


الصفحة التالية
Icon