" صفحة رقم ٣٢٩ "
جهاته على التساوي، والأرض كروية الشكل في الواقع وذلك كان يجهله العرب وجمهور البشر يومئذٍ فأومأ القرآن إليه بوصف العَرضين اللذين يعتريان الأرض على التعاقب وهما النور والظلمة، أو الليل والنهار، إذ جعل تعاورهما تكويراً لأن عَرَض الكرة يكون كروياً تبعاً لذاتها، فلما كان سياق هذه الآية للاستدلال على الإِلاهية الحقِّ بإنشاء السماوات والأرض اختير للاستدلال على ما يَتبع ذلك الإِنشاء من خلق العَرضين العظيمين للأرض مادةُ التكوير دون غيرها من نحو الغشيان الذي عبر به في قوله تعالى :( يغشي الليل النهار في سورة الأعراف (، لأن تلك الآية مسوقة للدلالة على سعة التصرف في المخلوقات لأن أولها ) إن ربكم اللَّه الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ( ( الأعراف : ٥٤ ) فكان تصوير ذلك بإغشاء الليل والنهار خاصة لأنه دل على قوة التمكن من تغييره أعراض مخلوقاته، ولذلك اقتصر على تغيير أعظم عَرَض وهو النور بتسليط الظلمة عليه، لتكون هاته الآية لمن يأتي من المسلمين الذين يطلعون على علم الهيئة فتكون معجزة عندهم.
وعطفُ جملة ) ويُكورُ النهار على الليل ( هو من عطف الجزء المقصود من الخبر كقوله :( ثيبات وأبكاراً ( ( التحريم : ٥ ).
وتسخير الشمس والقمر هو تذليلهما للعمل على ما جعل الله لهما من نظام السير سير المتبوع والتابع، وقد تقدم في سورة الأعراف وغيرها. وعطفت جملة ) وسخَّر الشمس والقمرَ ( على جملة ) يُكورُ الليل على النهارِ ( لأن ذلك التسخير مناسب لتكوير الليل على النهار وعكسه فإن ذلك التكوير من آثار ذلك التسخير فتلك المناسبة اقتضت عطف الجملة التي تضمنته على الجملة التي قبلها.
وجملة ) كلٌّ يجري لأجَللٍ مُسمى ( في موقع بدل اشتمال من جملة ) سَخر الشمس والقمرَ ( وذلك أوضح أحوال التسخير. وتنوين ) كلّ للعِوض، أي كل واحد. والجري : السير السريع. واللام للعلة.