" صفحة رقم ٣٣٦ "
ووصفه بالربوبية تذكير لهم بنعمة الإِيجاد والإِمداد وهو معنى الربوبية، وتوطئة للتسجيل عليهم بكفران نعمته الآتي في قوله :( إن تكفروا فإن اللَّه غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر ( ( الزمر : ٧ ).
وجملة ) لَهُ المُلْكُ ( خبر ثان عن اسم الإِشارة.
والملك : أصله مصدر مَلَك، وهو مثلث الميم إلا أن مضمون الميم خصه الاستعمال بمُلك البلاد ورعاية الناس، وفيه جاء قوله تعالى :( تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ( ( آل عمران : ٢٦ )، وصاحبه : مَلِك، بفتح الميم وكسر اللام، وجمعه : ملوك.
وتقديم المجرور لإِفادة الحصر الادعائي، أي الملك لله لا لغيره، وأما مُلك الملوك فهو لنقصه وتعرُّضه للزوال بمنزلة العدم، كما تقدم في قوله تعالى :( الحمد للَّه ( ( الفاتحة : ٢ )، وفي حديث القيامة :( ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض )، فالإِلاهية هي المُلك الحقّ، ولذلك كان ادعاؤهم شركاء للإِلاه الحق خطأً، فكان الحصر الادعائي لإِبطال ادعاء المشركين.
وجملة ) لا إلاهَ إلاَّ هُوَ ( بيان لجملة الحصر في قوله :( لَهُ المُلْكُ ). وفرع عليه استفهام إنكاري عن انصرافهم عن توحيد الله تعالى، ولما كان الانصراف حالةً استُفهم عنها بكلمة ) أنّى التي هي هنا بمعنى ( كيف ) كقوله تعالى : أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ( ( الأنعام : ١٠١ ).
والصرف : الإِبعاد عن شيء، والمصروف عنه هنا محذوف، تقديره : عن توحيده، بقرينة قوله :( لا إله إلاَّ هُوَ ).
وجعَلهم مصروفين عن التوحيد ولم يذكر لهم صارفاً، فجاء في ذلك بالفعل المبني للمجهول ولم يقل لهم : فأنى تنصرفون، نعياً عليهم بأنهم كالمَقُودين إلى الكفر غير المستقلين بأمورهم يصرفهم الصارفون، يعني أيمة الكفر أو الشياطين الموسوسين لهم. وذلك إلْهاب لأنفسهم ليكفّوا عن امتثال أيمتهم الذين يقولون لهم :( لا تسمعوا لهذا القرآن ( ( فصلت : ٢٦ )، عسى أن ينظروا بأنفسهم في دلائل الوحدانية المذكورة لهم.


الصفحة التالية
Icon