" صفحة رقم ٣٥٥ "
والمعنى : إن الله وعدهم أن يلاقوا حسنة إذا هم هاجروا من ديار الشرك. وليس حسن العيش ولا ضده مقصوراً على مكان معين وقد وقع التصريح بما كني عنه هنا في قوله تعالى :( قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ( ( النساء : ٩٧ ).
والمراد : الإِيماء إلى الهجرة إلى الحَبَشَة. قال ابن عباس في قوله تعالى :( قُلْ يا عِبادِ الذين ءَامنُوا اتَّقوا ربَّكُم ( يريد جعفرَ بن أبي طالب والذين خرجوا معه إلى الحبشة. ونكتة الكناية هنا إلقاء الإِشارة إليهم بلطف وتأنيس دون صريح الأمر لما في مفارقة الأوطان من الغمّ على النفس، وأما الآية التي في سورة النساء فإنها حكاية توبيخ الملائكة لمن لم يهاجروا.
وموقع جملة ) إنما يُوفَّى الصَّابِرون أجرهم بغيرِ حسابٍ ( موقع التذييل لجملة ) للذين أحْسَنُوا ( وما عطف عليها لأن مفارقة الوطن والتغرب والسفر مشاق لا يستطيعها إلا صابر، فذُيّل الأمر به بتعظيم أجر الصابرين ليكون إعلاماً للمخاطبين بأن أجرهم على ذلك عظيم لأنهم حينئذٍ من الصابرين الذين أجرهم بغير حساب.
والصبر : سكون النفس عند حلول الآلام والمصائب بأن لا تضجر ولا تضطرب لذلك، وتقدم عند قوله تعالى :( وبشر الصابرين في سورة البقرة ). وصيغة العموم في قوله :( الصابرين تشمل كل من صبر على مشقة في القيام بواجبات الدين وامتثال المأمورات واجتناب المنهيات، ومراتب هذا الصبر متفاوتة وبقدرها يتفاوت الأجر.
والتوفية : إعطاء الشيء وافياً، أي تاماً. والأجر : الثواب في الآخرة كما هو مصطلح القرآن.
وقوله : بِغَيرِ حسابٍ ( كناية عن الوفرة والتعظيم لأن الشيء الكثير لا يُتصدى لعدِّه، والشيء العظيم لا يحاط بمقداره فإن الإِحاطة بالمقدار ضرب من الحساب وذلك شأن ثواب الآخرة الذي لا يخطر على قلب بشر.