و ﴿مِّنْ﴾ في قوله: ﴿مِن جُندٍ﴾ مؤكدة لعموم ﴿جُندٌ﴾ في سياق النفي، و﴿مِّنْ﴾ في قوله: ﴿مِّنَ السَّمَآءِ﴾ ابتدائية وفي الإِتيان بحرف ﴿مِّنْ﴾ ثلاثَ مرات مع اختلاف المعنى مُحسّن الجناس.
وفي هذا تعريض بالمشركين من أهل مكة إذ قالوا للنبيء صلى الله عليه وسلّم ﴿أَوْ تَأْتِىَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلا﴾ (الإسراء: ٩٢) أي تأتي بالله الذي تدّعي أنه أرسلك ومعه جنده من الملائكة ليثأر لك.
فجملة ﴿وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ﴾ معترضة بين نوعي العقاب المنفي والمثبَت، لقصد الرد على المشركين بأن سنة الله تعالى لم تجر بإنزال الجنود على المكذبين وشأن العاصين أَدْوَنُ من هذا الاهتمام.
والصيحة: المرة من الصياح، بوزن فعلَة، فوصفها بواحدة تأكيد لمعنى الوحدة لئلا يتوهم أن المراد الجنس المفرد من بين الأجناس، و ﴿صَيْحَةً﴾ منصوب على أنه خبر ﴿كَانَتْ﴾ بعد الاستثناء المفرّغ، ولحاق تاء التأنيث بالفعل مع نصب ﴿صَيْحَةً﴾ مشير إلى أن المستثنى منه المحذوف العقوبة أو الصيحة التي دلت عليها ﴿صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ أي لم تكن العقوبة أو الصيحة إلا صيحةً من صفتها أنها واحدة إلى آخره. وقرأ أبو جعفر برفع ﴿صَيْحَةً﴾ على أن "كان" تامة، أي ما وقعت إلا صيحة واحدة.
ومجيء "إذا" الفجائية في الجملة المفرعة على ﴿إِن كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ لإِفادة سرعة الخمود إليهم بتلك الصيحة. وهذه الصيحة صاعقة كما قال تعالى حكاية عن ثمود: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ﴾ (الحجر: ٧٣).
والخمود: انطفاء النار، استعير للموت بعد الحياة المليئة بالقوة والطغيان، ليتضمن الكلام تشبيه حال حياتهم بشبوب النار وحال موتهم بخمود النار فحصل لذلك استعارتان إحداهما صريحة مصرحة، وأخرى ضمنية مكنية ورمزها الأُولى، وهما الاستعارتان اللتان تضمنهما قول لبيد:
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه
يَحور رماداً بعد إذ هو ساطع