" صفحة رقم ١٢٥ "
دَعْنِي على حكم الهوى أتضرع
فَعَسَى يلين ليَ الحبيب ويخشع
وذلك يستتبع كناية عن خطر ذلك العمل وصعوبة تحصيله لأن مثله مما يَمنع المستشارُ مستشيره من الإِقدام عليه، ولذلك عطف عليه :( وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ( لأن موسى خوّفهم عذاب الله وتحدَّاهم بالآيات التسع. ولام الأمر في ) وَلْيَدعُ رَبَّهُ ( مستعملة في التسوية وعدم الاكتراث. وجملة ) إنِّي أَخَافُ أَن يُبَدّلَ دِينَكُمْ ( تعليل للعزم على قتل موسى. والخوف مستعمل في الإِشفاق، أي أظن ظناً قوياً أن يبدل دينكم. وحذفت ( مِن ) التي يتعدى بها فعل ) أخاف ( لأنها وقعت بينه وبين ( أنْ ).
والتبديل : تعويض الشيء بغيره. وتوسم فرعون ذلك من إنكار موسى على فرعون زعمه أنه إله لقومه فإن تبديل الأصول يقتضي تبديل فروع الشريعة كلها.
والإِضافة في قوله :( دينكم ( تعريض بأنهم أولى بالذبّ عن الدين وإن كان هو دينَه أيضاً لكنه تجرد في مشاورتهم عن أن يكون فيه مراعاة لحظ نفسه كما قالوا هم ) أتذر موسى وقومَه ليفسدوا في الأرض ويذَرَك وآلهتك ( ( الأعراف : ١٢٧ ) وذلك كله إلهاب وتحضيض.
والأرض : هي المعهودة عندهم وهي مملكة فرعون.
ومعنى إظهار موسى الفساد عندهم أنه يتسبب في ظهوره بدعوته إلى تغيير ما هم عليه من الديانة والعوائد. وأطلق الإِظهار على الفشوّ والانتشار على سبيل الاستعارة. وقد حمله غروره وقلة تدبره في الأمور على ظن أن ما خالف دينهم يعدّ فساداً إذ ليست لهم حجة لدينهم غير الإِلف والانتفاع العاجل.


الصفحة التالية
Icon