" صفحة رقم ١٣٢ "
وأهل الجدل بعد تقرير المقدمات والحجج أن يهجموا على الغرض المقصود، فوعظهم بهذه الموعظة. وأدخل قومه في الخطاب فناداهم ليستهويهم إلى تعضيده أمام فرعون فلا يجدَ فرعون بُدّاً من الانصياع إلى اتفاقهم وتظاهرهم، وأيضاً فإن تشريك قومه في الموعظة أدخل في باب النصيحة فابتدأ بنصح فرعون لأنه الذي بيده الأمر والنهي، وثنّى بنصيحة الحاضرين من قومه تحذيراً لهم من مصائبَ تصيبهم من جراء امتثالهم أمر فرعون بقتل موسى فإن ذلك يهمهم كما يهمّ فرعون. وهذا الترتيب في إسداء النصيحة نظير الترتيب في قول النبي ( ﷺ ) ( ولأئمَّةِ المسلمين وعامتهم ). ولا يخفى ما في ندائهم بعنوان أنهم قومه من الاستصغاء لنصحه وترقيق قلوبهم لقوله.
وابتداء الموعظة بقوله :( لَكُمُ المُلكُ اليَوْمَ ظاهِرينَ في الأرْضِ ( تذكيرٌ بنعمة الله عليهم، وتمهيد لتخويفهم من غضب الله، يعني : لا تغرنكم عظمتكم وملككم فإنهما معرضان للزوال إن غضب الله عليكم.
والمقصود : تخويف فرعون من زوال ملكه، ولكنه جعل المُلك لقومه لتجنب مواجهة فرعون بفرض زوال ملكه.
والأرض : أرض مصر، أي نافذاً حكمكم في هذا الصقع.
وفرع على هذا التمهيد :( فَمَن يَنصُرُنا مِن بأس الله إن جاءَنا، ( و ( مَنْ ) للاستفهام الإِنكاري عن كل ناصر، فالمعنى : فلا نصر لنا من بأس الله. وأدمج نفسه مع قومه في ) ينصرنا ( و ) جاءنا، ( ليريهم أنه يأبى لقومه ما يأباه لنفسه وأن المصيبة إن حلت لا تصيب بعضهم دون بعض.
ومعنى ) ظاهرين ( غالبين، وتقدم آنفاً، أي إن كنتم قادرين على قتل موسى فالله قادر على هلاككم.