" صفحة رقم ١٤٧ "
وجملة ) وَإنِّي لأظُنُّه كاذِباً ( معترضة للاحتراس من أن يظن ( هامان ) وقومه أن دعوة موسى أوهنت منه يقينَه بدينه وآلهته وأنه يروم أن يبحث بحث متأمل ناظر في أدلة المعرفة فحقق لهم أنه ما أراد بذلك إلا نفي ما ادعاه موسى بدليل الحس. وجيء بحرف التوكيد المعزّز بلام الابتداء لينفي عن نفسه اتهام وزيره إياه بتزلزل اعتقاده في دينه. والمعنى : إني أفعل ذلك ليظهر كذب موسى.
والظن هنا مستعمل في معنى اليقين والقطع، ولذلك سمى الله عزمه هذا كيداً في قوله :( ومَا كَيْدُ فِرْعَونَ إلاَّ في تَبَابٍ ).
جملة ) وكذلك زُيِنَ لفرعون ( عطف على جملة ) وَقَال فِرْعَوْنُ ( لبيان حال اعتقاده وعمله بعد أن بين حال أقواله، والمعنى : أنه قال قولاً منبعثاً عن ضلال اعتقاد ومُغرياً بفساد الأعمال. ولهذا الاعتبار اعتبارِ جميع أحوال فرعون لم تُفْصَل هذه الجملة عن التي قبلها إذ لم يقصد بها ابتداء قصة أخرى، وهذا مما سموه بالتوسط بين كَمَالَي الاتصال والانقطاع في باب الفصل والوصل من علم المعاني. وافتتاحها ب ) كذلك ( كافتتاح قوله تعالى :( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ( في سورة البقرة، أي مثل ذلك التزيين أي تزيين عمل فرعون زُيّن له سوء عمله مبالغة في أن تزيين عمله له بلغ من القوة في نوعه ما لا يوجد له شِبْه يُشبَّه به فمن أراد تشبيهه فليشبّهه بعيْنه.
وبُني فعل إلى المجهول لأن المقصود معرفة مفعول التزيين لا معرفة فَاعله، أي حَصل له تزيين سوء عمله في نفسه فحسِب الباطل حقّاً والضلال اهتداء.
وقرأ الجمهور :( وَصَدَّ ( بفتح الصاد وهو يجوز اعتباره قاصراً الذي مضارعه يصِدّ بكسر الصاد، ويجوز اعتباره متعدياً الذي مضارعه يصُد بضم الصاد، أي


الصفحة التالية
Icon