" صفحة رقم ١٧٤ "
الصفة ل ) كبر. ( وحقيقة البلوغ : الوصول، قال تعالى :( إلى بلد لم تكونوا بالغيبة إلا بشق الأنفس ( ( النحل : ٧ ) ويطلق على نوال الشيء وتحصيله مجازاً مرسلاً كما في قوله تعالى :( ما بلغوا معشار ما آتيناهم ( ( سبأ : ٤٥ ) وهو هنا محمول على المعنى المجازي لا محالة، أي ما هم ببالغي الكِبر.
وإذ قد كان الكبر مثبتاً حصوله في نفوسهم إثباتاً مؤكداً بقوله :( إنَّ في صُدُورهم إلاَّ كِبرٌ (، تعيّن أن نفي بلوغهم الكِبر منصرف إلى حالات الكِبر : فإما أن يراد نفي أهليتهم للكبر إذ هم أقل من أن يكون لهم الكبر كقوله تعالى :( ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ( ( المنافقون : ٨ ) أي لا عزة حقاً لهم، فالمعنى هنا : كِبْر زيفٌ، وإما أن يراد نفي نوالهم شيئاً من آثار كِبْرهم مثل تحقير الذين يتكبرون عليهم مثل احتقار المتكبر عليهم ومخالفتهم إياهم فيما يدعونهم إليه فضلاً عن الانتظام في سلك اتباعهم، وإذلالهم، وإفْحام حجتهم، فالمعنى : ما هم ببالغين مرادهم الذي يأملونه منك في نفوسهم الدالة عليه أقوالهم مثل قولهم :( نتربص به ريب المنون ( ( الطور : ٣٠ ) وقولهم :( لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ( ( فصلت : ٢٦ ) ونحو ذلك من أقوالهم الكاشفة لآمالهم.
فتنكير :( كبر ( للتعظيم، أي كبر شديد بتعدد أنواعه، وتمكنه من نفوسهم، فالضمير البارز في ) ببالغيه ( عائد إلى الكبر على وجه المجاز بعلاقة السببية أو المسببية، والداعي إلى هذا المجاز طلب الإِيجاز لأن تعليق نفي البلوغ باسم ذات الكبر يشمل جميع الأحوال التي يثيرها الكِبر، وهذا من مقاصد إسناد الأحكام إلى الذوات إن لم تقم قرينة على إرادة حالة مخصوصة، كما في قوله تعالى :( نحن قسمنا بينهم معيشتهم ( ( الزخرف : ٣٢ ) أي جميع أحوال معيشتهم. فشمل قوله :( ما هم ببالغيه ( عدم بلوغهم شيئاً مما ينطوي عليه كِبرُهم، فما بلغوا الفضل على غيرهم حتى يتكبروا، ولا مطمع لهم في حصول آثار كبرهم، كما قال تعالى :( لقد استكبروا في أنفسهم وعتو عتواً كبيراً ( ( الفرقان : ٢١ ).
وقد نُفي أن يبلغوا مرادهم بصوغه في قالب الجملة الاسمية لإِفادتها ثبات مدلولها ودوامه، فالمعنى، أنهم محرومون من بلوغه حرماناً مستمراً، فاشتمل تشويه حالهم إثباتاً ونفياً على خصوصيات بلاغية كثيرة.


الصفحة التالية
Icon