" صفحة رقم ١٧٦ "
وروجوها في عامَّتهِم فقالوا :( أإذا كنا تراباً أإنا لفي خلق جديد ( ( الرعد : ٥ ). فكانوا يسخرون من النبي ( ﷺ ) لأجل ذلك ) وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد أفترى على اللَّه كذباً أم به جنة ( ( سبأ : ٧، ٨ )، ولما كانوا مقرّين بأن الله هو خالق السماوات والأرض أقيمت عليهم الحجة على إثبات البعث بأنّ بعْث الأموات لا يبلغ أمره مقدار أمر خلق السماوات والأرض بالنسبة إلى قدرة الله تعالى. والكلام مؤذن بقَسَم مقدّر لأن اللام لام جواب القسم، والمقصود : تأكيد الخبر.
ومعنى ) أكبر ( أنه أعظم وأهم وأكثر متعلَّقاتتِ قدرة بالقادر عليه لا يعجز عن خلق ناس يبعثهم للحساب.
فالمراد بالناس في قوله :( مِنْ خَلْققِ النَّاسِ ( الذين يعيد الله خلقتهم كما بدأهم أول مرة ويودع فيهم أرواحهم كما أودعها فيهم أول مرة. والخبر مستعمل في غير معناه لأن كون خلقها أكبر هو أمر معلوم وإنما أريد التذكير والتنبيه عليه لعدم جريهم على موجَب علمهم به.
وموقع الاستدراك في قوله :( ولاكِنَّ أكثرَ النَّاسسِ لا يعلَمُون ( ما اقتضاه التوكيد بالقَسَم من اتضاح أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس. فالمعنى : أن حجة إمكان البعث واضحة ولكن الذين ينكرونها لا يعلمون، أي لا يعلمون الدليل لأنهم متلاهون عن النظر في الأدلة مقتنعون ببادىء الخواطر التي تبدو لهم فيتخذونها عقيدة دون بحث عن معارضها، فلما جرَوا على حالة انتقاء العلم نُزلوا منزلة من لا علم لهم فلذلك نزل فعل ) يعلمون ( منزلة اللازم ولم يذكر له مفعول.
فالمراد ب ) أكثَرَ النَّاسِ ( هم الذين يجادلون في آيات البعث وهم المشركون، وأما الذين علموا ذلك فهم المؤمنون وهم أقل منهم عدداً. وإظهار لفظ ) الناس ( في قوله :( ولكنَّ أكثَر النَّاس لا يعلمون ( مع أن


الصفحة التالية
Icon