" صفحة رقم ١٨١ "
قوله الآتي، ) ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون اللَّه قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعوا من قبل شيئاً ( ( غافر : ٧٣، ٧٤ )، فجَعل ) لم نكن ندعوا ( نقيض ما قيل لهم ) أين ما كنتم تشركون (، وتشمل المجادلَة في وقوع البعث كما دل عليه قوله بعدَ هذه ) ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات اللَّه أنى يصرفون ( إلى قوله :( إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل ( ( غافر : ٦٩ ٧١ ) الآية، أُعقب ذكر المجادلة أولاً بقوله :( لَخَلق السَّموات والأرضضِ أكْبرُ من خَلققِ النَّاس ( ( غافر : ٥٧ ) وذلك استدلال على إمكان البعث، ثم عطف عليه قوله :( وقَالَ رَبُّكم ادعُوني أستَجِب لكُم ( الآية تحذيراً من الإِشراك به، وأيضاً لما ذُكر أمر الله رسوله ( ﷺ ) بدعاء الله وحده أمراً مفرّعاً على توبيخ المشركين بقوله :( ذالِكم بأنَّه إذَا دُعيَ الله وحْدَه كَفَرتم ( ( غافر : ١٢ ) وعلى قوله عقب ذلك :( ومَا يتذكَّرُ إلاَّ مَن يُنيب ( ( غافر : ١٣ ) وانتقَل الكلام أثر ذلك إلى الأَهمّ وهو الأمر بإنذار المشركين بقوله :( وأنذِرْهُم يَومَ الأزِفَة ( ( غافر : ١٨ ) الخ، وتتابعت الأغراض حتى استوفت مقتضاها، عاد الكلام الآن إلى ما يشمل عبادة المؤمنين الخالصةَ لله تعالى وهو أيضاً متصل بقوله :( ومَا دَعاؤُا الكافرين إلاَّ في ضَلالٍ ( ( غافر : ٥٠ ). فلما تقدم ذكر الدعاء بمعنييه : معنى العبادة، ومعنى سُؤال المطلوب، أردف بهذا الأمر الجامع لكلا المعنيين.
والقول المخبَر عنه بفعل :( قال ربكم ( يجوز أن يراد به كلام الله النفسي، أي ما تعلقت إرادة الله تعلقاً صلاحياً، بأن يقوله عند إرادة تكوينه، ويجوز أن يراد القول اللفظي ويكون التعبير ب ( قال ) الماضي إخباراً عن أقوال مضت في آيات قبل نزول هذه الآية مثل قوله :( فادعوا اللَّه مخلصين له الدين ( ( غافر : ١٤ ) بخلاف قوله :( أجيب دعوة الداعِ إذ دعان ( ( البقرة : ١٨٦ ) فإنه نزل بعد هذه الآية، ويجوز أن يكون الماضي مستعملاً في الحال مجازاً، أي يقول ربكم : ادعوني.
والدعاء يطلق بمعنى النداء المستلزم للاعتراف بالمُنَادَى، ويطلق على الطلب وقد جاء من كلام النبي ( ﷺ ) ما فيه صلاحية معنى الدعاء الذي في هذه الآية لما يلائم المعنيين في حديث النعمان بن بشير قال : سمعت النبي ( ﷺ ) يقول :( الدعاء هو العبادة ) ثم قرأ ) وقَالَ ربُّكم ادعُوني أستَجِب لكم إنَّ الذِّين يستَكبرون عَن عبادتي سيَدخلُون جهنَّم داخِرين ( رواه الترمذي. وقال : هذا حديث حسن صحيح، فإن قوله :( الدعاء هو العبادة ) يقتضي اتحاد الحقيقتين


الصفحة التالية
Icon