" صفحة رقم ١٨٤ "
ويجوز أن يكون اسم الجلالة مبتدأ والموصول صفة له ويكون الخبر قوله :( ذالِكُم الله رَبُّكم ( ( غافر : ٦٤ ) ويكون جملة ) إنَّ الله لَذُو فَضلٍ ( معترضة، أو أن يكون اسم الجلالة مبتدأ والموصولُ خبراً.
واعتبار الجملة مستأنفة أحسن من اعتبار اسم الجلالة بدلاً لأنه أنسب بالتوقيف على سوء شكرهم، وبمقام تعداد الدلائل وأسعد بقوله :( الله الَّذِي جَعَل لكم الأرْضَ قَرَاراً ( ( غافر : ٦٤ )، فتكون الجملة واقعة موقع التعليل لجملة ) إنَّ الذين يستَكْبِرون عن عِبَادتي سيدخلون جَهنَّم دَاخِرِين ( ( غافر : ٦٠ )، أي تسببوا لأنفسهم بذلك العقاب لأنهم كفروا نعمة الله إذ جعل لهم الليل والنهار. وعلى هذه الاعتبارات كلها فقد سجلت هذه الآية على الناس تقسيمهم إلى : شاكر نعمة، وكفورها، كما سجلت عليهم الآية السابقة تقسيمهم إلى : مؤمن بوحدانية الله، وكافر بها.
وهذه الآية للتذكير بنعمة الله تعالى على الخلق كما اقتضاه لام التعليل في قوله : واقتضاه التذييل بقوله :( إنَّ الله لَذُو فَضْللٍ على النَّاسسِ ولكِنَّ أكثَرَ النَّاسسِ لا يَشْكُرون. ( وأدمج في التذكير بالنعمة استدلال على انفراده تعالى بالتصرف بالخلق، والتدبير الذي هو مُلازم حقيقة الإِلهية.
وابتدىء الاستدلال بدلائل الأكوان العلوية وآثارها الواصلة إلى الأكوان السفلية، وهي مظهر النعمة بالليل والنهار فهما تكوينان عظيمان دالاّن على عظيم قدرة مُكونهما ومنظِّمهما وجاعلهما متعاقبين، فنيطت بهما أكثر مصالح هذا العالم ومصالح أهله، فمن مصالح العالم حصول التعادل بين الضياء والظلمة، والحرارةِ والبرودة لتكون الأرض لائقة بمصالح مَن عليها فتنبت الكلأ وتنضج الثمار، ومن مصالح سكان العالم سكون الإِنسان والحيوان في الليل لاسترداد النشاط العصبي الذي يُعييه عمل الحواس والجسد في النهار، فيعود النشاط إلى المجموع العصبي في الجسد كله وإلى الحواس، ولولا ظلمة الليل لكان النوم غير


الصفحة التالية
Icon