" صفحة رقم ١٨٦ "
وتقدم الكلام على الليل والنهار في سورة البقرة عند قوله تعالى :( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار (، وفي مواضع أخرى.
وجملة ) إنَّ الله لَذُو فَضْللٍ على النَّاسِ ( اعتراض هو كالتذييل لجملة ) الله الَّذِي جَعلَ لكُمُ الليَّلَ لِتَسْكنوا فِيه ( لأن الفضل يشمل جعل الليل والنهار وغير ذلك من النعم، ولأن ) الناس ( يعمّ المخاطبين بقوله :( جَعَلَ لَكُمُ ( وغيرَهم من الناس.
وتنكير ) فضل ( للتعظيم لأن نعم الله تعالى عظيمة جليلة ولذلك قال :( لَذُو فَضْلٍ ( ولم يقل : لمتفضل، ولا لَمُفْضِل، فعُدل إلى إضافة ( ذو ) إلى ) فضل ( لتأتِّي التنكير المشعر بالتعظيم. وعدل عن نحو : له فضل، إلى ) لَذُو فَضْلٍ ( لما يدل عليه ( ذو ) من شرف ما يضاف هو إليه.
والاستدراك ب ) لكن ( ناشىء عن لازم ) ذو فضل على الناس ( لأن الشأن أن يشكر الناس ربّهم على فضله فكان أكثرهم كافراً بنعمه، وأيّ كفر للنعمة أعظم من أن يتركوا عبادة خالقهم المتفضللِ عليهم ويعبدوا ما لا يملك لهم نفعاً ولا ضراً.
وخرج ب ) أكْثَر النَّاسِ ( الأقلُّ وهم المؤمنون فإنهم أقل ) ولو أعجبك كثرة الخبيث ( ( المائدة : ١٠٠ ). والعدول عن ضمير ( الناس ) في قوله :( ولاكنَّ أكثر النَّاسسِ لا يَشْكُرون ( إلى الاسم الظاهر ليتكرر لفظ الناس عند ذكر عدم الشكر كما ذكر عند التفضل عليهم فيسجل عليهم الكفران بوجه أصرح.
وقد علمتَ مما تقدم وجه اختلاف المنفيَّات في قوله :( ولكنَّ أكثر النَّاسسِ لا يعْلَمُون ( ( غافر : ٥٧ ) وقوله :( ولكِنَّ أكثر النَّاس لاَ يؤمنون ( غافر : ٥٩ ) وقوله : ولكن أكثر الناس لا يشكرون (، فقد أُتبع كل غرض أريد إثباته بما يناسب حال منكريه.


الصفحة التالية
Icon