" صفحة رقم ١٩٥ "
وفصل الجملة عن الكلام الذي قبلها أسعد بالاحتمالين الأول والرابع.
جملة معترضة بين أدلة الوحدانية بدلالة الآيات الكونية والنفسية ليَجْرُوا على مقتضاها في أنفسهم بأن يعبدوا الله وحده، فانتقل إلى تقرير دليل الوحدانية بخبر الوحي الإِلهي بإبطال عبادة غير الله على لسان رسوله ( ﷺ ) ليعمل بذلك في نفسه ويبلغ ذلك إليهم فيعلموا أنه حُكم الله فيهم، وأنهم لا عذر لهم في الغفلة عنها أو عدم إتقان النظر فيها أو قصور الاستنتاج منها بعد أن جاءهم رسول من الله يبينّ لهم أنواعاً بمختلف البيان من أدلّة برهانية وتقريبية إقناعية.
وأن هذا الرسول ( ﷺ ) إنما يدعوهم إلى ما يريده لنفسه فهو ممحض لهم النصيحة، وهاديهم إلى الحجة لتتظاهر الأدلة النظرية بأدلة الأمر الإِلهي بحيث يقوى إبطال مذهبهم في الشرك، فإن ما نزل من الوحي تضمن أدلة عقلية وإقناعية وأوَامر إلهية وزواجر وترغيبات، وكل ذلك يحوم حول إثبات تفرد الله تعالى بالإِلهية والربوبية تفرداً مطلقاً لا تشوبه شائبة مشاركة ولو في ظاهر الحال كما تشوب المشاركة في كثير من الصفات الأخرى في مثل المُلك والمِلك والحَمد، والنفع والضر، والكرم والإِعانة وذلك كثير. فكان قوله تعالى :( قُلْ إني نُهِيتُ أنْ أعْبُدَ الذينَ تَدْعُون مِن دُوننِ الله لَمَّا جَاءَني البَيِناتُ مِن رَّبِي ( إبطالاً لعبادة غير الله بالقول الدال على التحذير والتخويف بعد أن أبطل ذلك بدلالة الحجة على المقصود. وهذه دلالة كنائية لأن النهي يستلزم التحذير.
وذكر مجيء البينات في أثناء هذا الخبر إشارة إلى طرق أخرى من الأدلة على تفرد الله بالإِلهية تكررت قبل نزول هذه الآية. وكان تقديم المسند إليه وهو ضمير ) إني ( على الخبر الفعلي لتقوية الحكم نحو : هو يعطي الجزيل، وكان تخصيص


الصفحة التالية
Icon